الْمُؤْمِنُونَ) إلى قوله : (هُمْ فِيها خالِدُونَ) (١).
وأخرج النسائي عن يزيد بن بابنوس قال : قلنا لعائشة : يا أم المؤمنين ، كيف كان خلق رسول الله صلىاللهعليهوسلم؟ فقالت : كان خلقه القرآن ، ثم قرأت : (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ) حتى انتهت إلى قوله ـ تعالى ـ : (وَالَّذِينَ هُمْ عَلى صَلَواتِهِمْ يُحافِظُونَ) وقالت : هكذا كان خلق رسول الله صلىاللهعليهوسلم (٢).
والفلاح : الظفر بالمراد ، وإدراك المأمول من الخير والبر مع البقاء فيه.
والخشوع : السكون والطمأنينة ، ومعناه شرعا : خشية في القلب من الله ـ تعالى ـ تظهر آثارها على الجوارح فتجعلها ساكنة مستشعرة أنها واقفة بين يدي الله ـ سبحانه ـ.
والمعنى : قد فاز وظفر بالمطلوب ، أولئك المؤمنون الصادقون ، الذين من صفاتهم أنهم في صلاتهم خاشعون ، بحيث لا يشغلهم شيء وهم في الصلاة عن مناجاة ربهم. وعن أدائها بأسمى درجات التذلل والطاعة.
ومن مظاهر الخشوع : أن ينظر المصلى وهو قائم إلى موضع سجوده ، وأن يتحلى بالسكون والطمأنينة ، وأن يترك كل ما يخل بخشوعها كالعبث بالثياب أو بشيء من جسده ، فقد أبصر النبي صلىاللهعليهوسلم رجلا يعبث بلحيته في الصلاة فقال : «لو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه».
قال القرطبي : «اختلف الناس في الخشوع هل هو من فرائض الصلاة أو مكملاتها على قولين ، والصحيح الأول ومحله القلب ، وهو أول عمل يرفع من الناس ...» (٣).
وقوله ـ سبحانه ـ : (وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ) بيان لصفة ثانية من صفات هؤلاء المؤمنين.
واللغو : ما لا فائدة فيه من الأقوال والأعمال. فيدخل فيه اللهو والهزل وكل ما يخل بالمروءة وبآداب الإسلام.
أى : أن صفات هؤلاء المؤمنين أنهم ينزهون أنفسهم عن الباطل والساقط من القول أو الفعل ، ويعرضون عن ذلك في كل أوقاتهم لأنهم لحسن صلتهم بالله ـ تعالى ـ اشتغلوا بعظائم الأمور وجليلها : لا بحقيرها وسفسافها ، وهم كما وصفهم الله ـ سبحانه ـ في آية أخرى : (وَإِذا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ) (٤) (وَإِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً) (٥).
__________________
(١) تفسير الآلوسى ج ١٨ ص ٢.
(٢) تفسير ابن كثير ج ٥ ص ٤٥٤.
(٣) تفسير القرطبي ج ١٢ ص ٣٠٣.
(٤) سورة القصص الآية ٥٥.
(٥) سورة الفرقان الآية ٧٢.