أما الصفة الثالثة من صفاتهم فقد بينها ـ سبحانه ـ بقوله : (وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكاةِ فاعِلُونَ).
ويرى أكثر العلماء : أن المراد بالزكاة هنا : زكاة الأموال. قالوا : لأن أصل الزكاة فرض بمكة قبل الهجرة ، وما فرض بعد ذلك في السنة الثانية من الهجرة هو مقاديرها ، ومصارفها ، وتفاصيل أحكامها أى : أن من صفات هؤلاء المؤمنين أنهم يخرجون زكاة أموالهم عن طيب نفس.
ويرى بعض العلماء : أن المراد بالزكاة هنا : زكاة النفس. أى : تطهيرها من الآثام والمعاصي. فهي كقوله ـ تعالى ـ (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها* وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها) (١).
أى : أن من صفات هؤلاء المؤمنين ، أنهم يفعلون ما يطهر نفوسهم ويزكيها.
قال ابن كثير رحمهالله : ويحتمل أن يكون كلا الأمرين مرادا ، وهو زكاة النفوس وزكاة الأموال ، فإنه من جملة زكاة النفوس ، والمؤمن الكامل هو الذي يتعاطى هذا وهذا» (٢).
ثم بين ـ سبحانه ـ الصفة الرابعة من صفاتهم فقال : (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ* إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ ، فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ).
أى : أن من صفات هؤلاء المؤمنين ـ أيضا ـ أنهم أعفاء ممسكون لشهواتهم لا يستعملونها إلا مع زوجاتهم التي أحلها الله ـ تعالى ـ لهم ، أو مع ما ملكت أيمانهم من الإماء والسراري ، وذلك لأن من شأن الأمة المؤمنة إيمانا حقّا ، أن تصان فيها الأعراض ، وأن يحافظ فيها على الأنساب ، وأن توضع فيها الشهوات في مواضعها التي شرعها الله ـ تعالى ـ وأن يغض فيها الرجال أبصارهم والنساء أبصارهن عن كل ما هو قبيح ..
وما وجدت أمة انتشرت فيها الفاحشة ، كالزنا واللواط وما يشبههما ، إلا وكان أمرها فرطا ، وعاقبتها خسرا ، إذ فاحشة الزنا تؤدى إلى ضياع الأنساب ، وانتشار الأمراض ، وفساد النفوس من كل قيمة خلقية مقبولة.
وفاحشة اللواط وما يشبهها تؤدى إلى شيوع الفاحشة في الأمة ، وإلى تحول من يأتى تلك الفاحشة من أفرادها إلى مخلوقات منكوسة ، تؤثر الرذيلة على الفضيلة.
وجملة : (فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ) تعليل للاستثناء.
أى : هم حافظون لفروجهم ، فلا يستعملون شهواتهم إلا مع أزواجهم أو ما ملكت
__________________
(١) سورة الشمس الآيتان ٩ ، ١٠.
(٢) تفسير ابن كثير ج ٥ ص ١٥٧.