ثم عقب ـ سبحانه ـ على هذه السخرية منهم بقوله : (إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ) أى : إن الله ـ تعالى ـ مطلع اطلاعا تاما على ظواهركم وبواطنكم فلا يحتاج منكم إلى قسم أو توكيد لأقوالكم ، وقد علم ـ سبحانه ـ أنكم كاذبون في حلفكم.
ثم يأمر ـ سبحانه ـ رسوله صلىاللهعليهوسلم أن يرشدهم إلى الطاعة الصادقة. لا طاعتهم الكاذبة فيقول : (قُلْ أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ) طاعة ظاهرة وباطنة ، طاعة مصحوبة بصدق الاعتقاد ، وكمال الإخلاص ، فإن هذه الطاعة هي المقبولة منكم.
وقوله ـ سبحانه ـ (فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْهِ ما حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ ما حُمِّلْتُمْ) تحذير لهم من التمادي في نفاقهم وكذبهم.
أى : مرهم ـ أيها الرسول الكريم ـ بالطاعة الصادقة ، فإن توليتم ـ أيها المنافقون ـ عن دعوة الحق وأعرضتم عن الصراط المستقيم ، فإن الرسول الكريم ليس عليه سوى ما حملناه إياه. وهو التبليغ والإنذار والتبشير ، وأما أنتم فعليكم ما حملتم ، أى : ما أمرتم به من الطاعة له صلىاللهعليهوسلم وهو قد فعل ما كلفناه به ، أما أنتم فحذار أن تستمروا في نفاقكم.
ثم أرشدهم ـ سبحانه ـ إلى طريق الفوز والفلاح فقال : (وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا). أى : وإن تطيعوا أيها المنافقون ـ رسولنا صلىاللهعليهوسلم في كل ما يأمركم به أو ينهاكم عنه ، تهتدوا إلى الحق ، وتظفروا بالسعادة.
وقوله ـ تعالى ـ : (وَما عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ) تذييل مقرر لما قبله. من أن مغبة الإعراض عائدة عليهم. كما أن فائدة الطاعة راجعة لهم.
أى : وما على الرسول الذي أرسلناه لإرشادكم إلى ما ينفعكم إلا التبليغ الواضح ، والنصح الخالص ، والتوجيه الحكيم.
وبذلك ترى هذه الآيات الكريمة قد كشفت عن رذائل المنافقين ، وحذرتهم من التمادي في نفاقهم ، وأرشدتهم إلى ما يفيدهم ويسعدهم ، كما وضحت ما يجب أن يكون عليه المؤمنون الصادقون من طاعة لله ـ تعالى ـ ولرسوله صلىاللهعليهوسلم.
* * *
ثم تركت السورة الكريمة الحديث عن المنافقين ، لتسوق وعد الله الذي لا يتخلف للمؤمنين الصادقين ، قال ـ تعالى ـ :