النفي المستفاد به لا يتسلط على هذه الأمور الثلاثة ، لأنها واقعة لهم ، وقائمة بهم ، والواقع لا ينفى ، وإنما هو متسلط على منشئتها وسببيتها لإعراضهم .. (١).
ثم بين ـ سبحانه ـ بعد ذلك ما هو واجب على المؤمنين إذا ما دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم ، أن يقولوا سمعنا وأطعنا.
ولفظ «قول» منصوب على أنه خبر «كان» واسمها أن المصدرية مع ما في حيزها ، وهو : أن يقولوا سمعنا وأطعنا.
والمعنى : أن من صفات المؤمنين الصادقين ، أنهم إذا ما دعوا إلى حكم شريعة الله ـ تعالى ـ التي أوحاها إلى رسوله صلىاللهعليهوسلم أن يقولوا عند ما يدعون لذلك : سمعنا وأطعنا ، بدون تردد أو تباطؤ ..
«وأولئك» الذين يفعلون ذلك «هم المفلحون» فلاحا تاما في الدنيا والآخرة.
ثم بين ـ سبحانه ـ ما يترتب على طاعة الله ورسوله فقال : (وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللهَ) ـ تعالى ـ في السر والعلن (وَيَتَّقْهِ) في كل الأحوال (فَأُولئِكَ) الذين يفعلون ذلك (هُمُ الْفائِزُونَ) بالنعيم المقيم ، والرضوان العظيم.
ثم عادت السورة الكريمة إلى استكمال الحديث عن المنافقين ، فقال ـ تعالى ـ (وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ ، لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَّ).
والجهد : الوسع والطاقة ، من جهد نفسه يجهدها ـ بفتح الهاء فيهما ـ إذا اجتهد في الشيء ، وبذل فيه أقصى وسعه.
أى : وأقسم هؤلاء المنافقون بالأيمان الموثقة بأشد وسائل التوثيق ، بأنهم متى أمرهم الرسول صلىاللهعليهوسلم بالخروج معه للجهاد ليخرجن سراعا تلبية لأمره.
وهنا يأمر الله ـ تعالى ـ نبيه صلىاللهعليهوسلم أن يرد عليهم ردا كله تهكم وسخرية بهم ، بسبب كذبهم فيقول : (قُلْ لا تُقْسِمُوا طاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ).
أى : قل لهم ـ أيها الرسول الكريم ـ على سبيل السخرية والزجر ، لا تقسموا على ما تقولون ، فإن طاعتكم معروف أمرها ، ومفروغ منها ، فهي طاعة باللسان فقط. أما الفعل فيكذبها.
وذلك كما تقول لمن اشتهر بالكذب : لا تحلف لي على صدقك ، فأمرك معروف لا يحتاج إلى قسم أو دليل.
__________________
(١) حاشية الجمل على الجلالين ج ٣ ص ٢٣٣.