يَكْفُرُوا بِهِ ، وَيُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً.). (١).
والتعبير عنهم بقوله «إذا فريق منهم معرضون» إشعار بأنهم بمجرد دعوتهم إلى الحق ، ينفرون من الداعي نفورا شديدا بدون تدبر أو تمهل ، لأنهم يعلمون علم اليقين أن الحق عليهم لا لهم ، أما إن لاح لهم أن الحق لهم لا عليهم ، فإنهم يهرولون نحو الرسول صلىاللهعليهوسلم يطلبون حكمه ، ولذا قال ـ تعالى ـ (وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ ، يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ).
والإذعان : الانقياد والطاعة ، يقال : أذعن فلان لفلان ، إذا انقاد له وخضع لأمره.
أى : وإن يكن لهؤلاء المنافقين الحق على غيرهم ، يأتوا إلى الرسول صلىاللهعليهوسلم منقادين طائعين راضين بحكمه ، لأنهم واثقون من أنه صلىاللهعليهوسلم لن يبخسهم شيئا من حقوقهم لا يأتون إليه مذعنين في كل الأحوال ، وإنما يأتون إليه صلىاللهعليهوسلم مذعنين لحكمه عند ما يكونون أصحاب حق في قضية من القضايا الدنيوية التي تحصل بينهم وبين غيرهم.
ثم يعقب القرآن الكريم على تصرفاتهم القبيحة بإثبات نفاقهم ، وبالتعجيب من ترددهم وريبهم ، وباستنكار ما هم عليه من خلق ذميم فيقول : (أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ، أَمِ ارْتابُوا ، أَمْ يَخافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ.).؟!
وقوله : (يَحِيفَ) من الحيف ، وهو الميل إلى أحد الجانبين ، يقال : حاف فلان في قضائه ، إذا جار وظلم.
أى : ما بال هؤلاء المنافقين يعرضون عن أحكام الإسلام ولا يقبلون على حكم الرسول صلىاللهعليهوسلم إلا إذا كانت لهم حقوق عند غيرهم أسبب ذلك أنهم مرضى القلوب بالنفاق وضعف الإيمان؟ أم سبب ذلك أنهم يشكون في صدق نبوته صلىاللهعليهوسلم؟ أم سببه أنهم يخافون أن يحيف الله عليهم ورسوله؟
لا شك أن هذه الأسباب كلها قد امتلأت بها قلوبهم الفاسدة ، وفضلا عن ذلك فهناك سبب أشد وأعظم ، وهو حرصهم على الظلم ووضع الأمور في غير مواضعها ، ولذا ختم ـ سبحانه ـ الآية الكريمة بقوله : (بَلْ أُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ).
أى : بل أولئك المنافقون هم الظالمون لأنفسهم ولغيرهم ، حيث وضعوا الأمور في غير موضعها ، وآثروا الغي على الرشد ، والكفر على الإيمان.
قال الجمل : وقوله : (أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ.). إلخ استنكار واستقباح لإعراضهم المذكور ، وبيان لمنشئه بعد استقصاء عدة من القبائح المحققة فيهم ، والاستفهام للإنكار لكن
__________________
(١) سورة النساء الآية ٦٠.