جمعوا مع الإيمان الصادق ، العمل الصالح ، وعدهم ليستخلفهم في الأرض ، أى : ليجعلنهم فيها خلفاء يتصرفون فيها تصرف أصحاب العزة والسلطان والغلبة ، بدلا من أعدائهم الكفار.
قال الآلوسى : واللام في قوله «ليستخلفنهم» واقعة في جواب القسم المحذوف. ومفعول وعد الثاني محذوف دل عليه الجواب. أى : وعد الله الذين آمنوا استخلافهم ، وأقسم ليستخلفنهم .. و «ما» في قوله «كما استخلف» مصدرية والجار والمجرور متعلق بمحذوف. وقع صفة لمصدر محذوف ، أى : ليستخلفنهم استخلافا كائنا كاستخلافه «الذين من قبلهم» من الأمم المؤمنة ، الذين أسكنهم الله ـ تعالى ـ في الأرض بعد إهلاك أعدائهم من الكفرة الظالمين (١).
هذا هو الوعد الأول للمؤمنين : أن يجعلهم ـ سبحانه ـ خلفاءه في الأرض. كما جعل عباده الصالحين من قبلهم خلفاءه ، وأورثهم أرض الكفار وديارهم.
وأما الوعد الثاني فيتجلى في قوله ـ تعالى ـ (وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ).
والتمكين : التثبيت والتوطيد والتمليك. يقال : تمكن فلان من الشيء ، إذا حازه وقدر عليه.
أى : وعد الله المؤمنين بأن يجعلهم خلفاءه في أرضه ، وبأن يجعل دينهم وهو دين الإسلام الذي ارتضاه لهم. ثابتا في القلوب ، راسخا في النفوس. باسطا سلطانه على أعدائه ، له الكلمة العليا في هذه الحياة ، ولمخالفيه الكلمة السفلى.
وأما الوعد الثالث فهو قوله ـ سبحانه ـ : «وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا».
أى : وعدهم الله ـ تعالى ـ بالاستخلاف في الأرض ، وبتمكين دينهم. وبأن يجعل لهم بدلا من الخوف الذي كانوا يعيشون فيه ، أمنا واطمئنانا ، وراحة في البال ، وهدوءا في الحال.
قال الربيع بن أنس عن أبى العالية في هذه الآية : كان النبي صلىاللهعليهوسلم وأصحابه بمكة نحوا من عشر سنين. يدعون إلى الله وحده .. وهم خائفون ، فلما قدموا المدينة أمرهم الله بالقتال ، فكانوا بها خائفين ، يمسون في السلاح ويصبحون في السلاح. فصبروا على ذلك ما شاء الله. ثم إن رجلا من الصحابة قال : يا رسول الله : «أبد الدهر نحن خائفون هكذا؟ أما يأتى علينا يوم نأمن فيه ونضع السلاح؟ فقال صلىاللهعليهوسلم لن تغبروا ـ أى : لن تمكثوا ـ إلا يسيرا حتى يجلس الرجل منكم في الملأ العظيم محتبيا ليست فيهم حديدة».
__________________
(١) تفسير الآلوسى ج ١٨ ص ٢٠٣.