وأنزل الله هذه الآية فأظهر الله نبيه على جزيرة العرب فآمنوا ووضعوا السلاح .. (١).
ولكن هذا الاستخلاف والتمكين والأمان متى يتحقق منه ـ سبحانه ـ لعباده؟
لقد بين الله ـ تعالى ـ الطريق إلى تحققه فقال (يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً) فهذه الجملة الكريمة يصح أن تكون مستأنفة ، أى : جوابا لسؤال تقديره متى يتحقق هذا الاستخلاف والتمكين والأمان بعد الخوف للمؤمنين؟ فكان الجواب : يعبدونني عبادة خالصة تامة مستكملة لكل شروطها وآدابها وأركانها ، دون أن يشركوا معى في هذه العبادة أحدا كائنا من كان.
كما يصح أن تكون حالا من الذين آمنوا ، فيكون المعنى : وعد الله ـ تعالى ـ عباده الذين آمنوا وعملوا الصالحات ، بالاستخلاف في الأرض ، وبتمكين دينهم فيها. وبتبديل خوفهم أمنا ، في حال عبادتهم له ـ سبحانه ـ عبادة لا يشوبها شرك أو رياء أو نقص.
وروى الإمام أحمد عن أبى بن كعب قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «بشر هذه الأمة بالسناء والرفعة ، والدين والنصر والتمكين في الأرض ، فمن عمل منهم عمل الآخرة للدنيا ، لم يكن له في الآخرة نصيب» (٢).
ذلك هو وعد الله ـ تعالى ـ لعباده الذين أخلصوا له العبادة والطاعة ، وأدوا ما أمرهم به ، واجتنبوا ما نهاهم عنه ، أما الذين انحرفوا عن طريق الحق. وجحدوا نعمه ـ سبحانه ـ عليهم ، فقد بين عاقبتهم فقال : (وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ).
أى : ومن كفر بعد كل هذه النعم التي وعدت بها عبادي الصالحين ، واستعمل هذه النعم في غير ما خلقت له ، فأولئك الكافرون الجاحدون هم الفاسقون عن أمرى ، الخارجون عن وعدى ، الناكبون عن صراطي.
وهكذا نرى الآية الكريمة قد جمعت أطراف الحكمة من كل جوانبها ، فقد رغبت المؤمنين في إخلاص العبادة لله ـ تعالى ـ بأسمى ألوان الترغيب ، حيث بينت لهم أن هذه العبادة سيترتب عليها الاستخلاف والتمكين والأمان. ثم رهبت من الكفر والجحود ، وبينت أن عاقبتهما الفسوق والحرمان من نعم الله ـ تعالى ـ.
ثم بين ـ سبحانه ـ بعد ذلك أهم أركان هذه العبادة فقال : (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ ، وَآتُوا الزَّكاةَ ، وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ ، لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ).
__________________
(١) تفسير ابن كثير ج ٦ ص ٨٥.
(٢) تفسير ابن كثير ج ٦ ص ٨٧.