أى : واظبوا ـ أيها المؤمنون ـ على إخلاص العبادة لله ـ تعالى ـ وأدوا الصلاة في أوقاتها بخشوع وإحسان ، وقدموا الزكاة للمستحقين لها ، وأطيعوا الرسول صلىاللهعليهوسلم طاعة تامة ، لعلكم بسبب هذه العبادة والطاعة ، تنالون رحمة الله ـ تعالى ـ ورضوانه.
ثم ثبت الله ـ تعالى ـ المؤمنين ، وهون من شأن أعدائهم لكي لا يرهبهم قوتهم فقال : (لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ ، وَمَأْواهُمُ النَّارُ وَلَبِئْسَ الْمَصِيرُ).
أى : لا تظنن ـ أيها الرسول الكريم أنت ومن معك من المؤمنين ـ أن الذين كفروا مهما أوتوا من قوة وبسطة في المال ، في إمكانهم أن يعجزونا عن إهلاكهم واستئصالهم وقطع دابرهم ، فإن قوتنا لا يعجزها شيء وهم في قبضتنا سواء أكانوا في الأرض التي يعيشون عليها أم في غيرها ، واعلم أن «مأواهم» في الآخرة «النار ولبئس المصير» هذه النار التي هي مستقرهم ومسكنهم.
فالآية الكريمة بيان لمآل الكفرة في الدنيا والآخرة ، بعد بيان ما أعده الله ـ تعالى ـ في الدنيا والآخرة من استخلاف وتمكين وأمان ورحمة للمؤمنين.
وقوله : (الَّذِينَ كَفَرُوا) هو المفعول الأول ، لتحسبن ، وقوله (مُعْجِزِينَ) هو المفعول الثاني.
قال القرطبي : «وقرأ ابن عامر وحمزة «يحسبن» بالياء ، بمعنى لا يحسبن الذين كفروا أنفسهم معجزين الله في الأرض ، لأن الحسبان يتعدى إلى مفعولين ..» (١).
أى : أن «الذين كفروا» في محل رفع فاعل يحسبن ، والمفعول الأول محذوف تقديره : أنفسهم. وقوله (مُعْجِزِينَ) هو المفعول الثاني.
وقوله ـ سبحانه ـ : (وَلَبِئْسَ الْمَصِيرُ) جواب لقسم مقدر. والمخصوص بالذم محذوف ، أى : وبالله «لبئس المصير» هي. أى : النار التي يستقرون فيها.
* * *
وبعد هذه التوجيهات الحكيمة التي تتعلق ببيان أعمال المؤمنين ، وأعمال الكافرين ، وببيان جانب من مظاهر قدرة الله ـ تعالى ـ في خلقه ، وببيان أقوال المنافقين التي تخالف أفعالهم ، وببيان ما وعد الله ـ تعالى ـ به المؤمنين من خيرات ..
__________________
(١) تفسير القرطبي ج ١٢ ص ٣٠١.