وذكر ـ سبحانه ـ بيوتهم هنا مع أنه من المعروف أنه لا حرج في أن يأكل الإنسان من بيته ، للإشعار بأن أكلهم من بيوت الذين سيذكرهم ـ سبحانه ـ بعد ذلك من الآباء والأمهات والأقارب ، يتساوى في نفى الحرج مع أكلهم من بيوتهم أى أن أكل الناس من بيوتهم لم يذكر هنا لنفى حرج كان متوهما ، وإنما ذكر لإظهار التسوية بين أكلهم من بيوت أقاربهم وأصدقائهم ، وبين أكلهم من بيوتهم.
وبعضهم يرى أن المراد بقوله (أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ) أى : من بيوت زوجاتهم وأولادهم.
ثم ذكر ـ سبحانه ـ بيوتا أخرى لا حرج عليهم في الأكل منها فقال : (أَوْ بُيُوتِ آبائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَواتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ ، أَوْ بُيُوتِ أَخْوالِكُمْ ، أَوْ بُيُوتِ خالاتِكُمْ ، أَوْ ما مَلَكْتُمْ مَفاتِحَهُ) أى : أو البيوت التي تملكون التصرف فيها بإذن أصحابها ، كأن تكونوا وكلاء عنهم في التصرف في أموالهم. ومفاتح : جمع مفتح ـ بكسر الميم ـ وهو آلة الفتح وملك هذه المفاتح : كناية عن كون الشيء تحت يد الشخص وتصرفه.
وقوله (أَوْ صَدِيقِكُمْ) معطوف على ما قبله والصديق هو من يصدق في مودتك ، وتصدق أنت في مودته ، وهو اسم جنس يطلق على الواحد والجمع ، والمراد هنا : الجمع. أى : ولا حرج عليكم ـ أيضا ـ في الأكل من بيوت أصدقائكم.
فالآية الكريمة قد أجازت الأكل من هذه البيوت المذكورة ، وهي أحد عشر بيتا ـ وإن لم يكن فيها أصحابها ، مادام الآكل قد علم رضا صاحب البيت بذلك ، وأن صاحب البيت ، لا يكره هذا ولا يتضرر منه ، استنادا إلى القواعد العامة في الشريعة ، والتي منها : «لا ضرر ولا ضرار» وأنه «لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه».
قال صاحب الكشاف : فإن قلت : فما معنى (أَوْ صَدِيقِكُمْ) قلت : معناه : أو بيوت أصدقائكم ، والصديق يكون واحدا وجمعا ، وكذلك الخليط والقطين والعدو.
ويحكى عن الحسن أنه دخل داره ، وإذا جماعة من أصدقائه قد استلوا سلالا من تحت سريره فيها أطايب الأطعمة. وهم مكبون عليها يأكلون فتهللت أسارير وجهه سرورا وضحك وقال : هكذا وجدناهم ، هكذا وجدناهم. يريد أكابر الصحابة ومن لقيهم من البدريين.
وكان الرجل منهم يدخل دار صديقه وهو غائب فيسأل جاريته كيسه. فيأخذ منه ما شاء ، فإذا حضر مولاها فأخبرته ، أعتقها سرورا بذلك (١).
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ٣ ص ٢٥٧.