التي لا بد منها يذكر ذلك لرسول الله صلىاللهعليهوسلم ويستأذن في اللحوق لحاجته ، فيأذن له ، فإذا قضى حاجته ، رجع إلى ما كان فيه من العمل رغبة في الخير واحتسابا له. فأنزل الله هذه الآيات في المؤمنين وفي المنافقين (١).
والمراد بالأمر الجامع في قوله : (وَإِذا كانُوا مَعَهُ عَلى أَمْرٍ جامِعٍ) : الأمر الهام الذي يستلزم اشتراك الجماعة في شأنه ، كالجهاد في سبيل الله ، وكالإعداد لعمل من الأعمال العامة التي تهم المسلمين جميعا.
والمعنى : إن من شأن المؤمنين الصادقين ، الذين آمنوا بالله ورسوله حق الإيمان أنهم إذا كانوا مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم على أمر جامع من الأمور التي تقتضي اشتراكهم فيه ، لم يفارقوه ولم يذهبوا عنه ، حتى يستأذنوه في المفارقة أو في الذهاب ، لأن هذا الاستئذان دليل على قوة الإيمان ، وعلى حسن أدبهم مع نبيهم صلىاللهعليهوسلم.
قال الآلوسى : وقوله : (وَإِذا كانُوا مَعَهُ عَلى أَمْرٍ جامِعٍ ..). معطوف على (آمَنُوا) داخل معه في حيز الصلة ، والحصر باعتبار الكمال. أى : إنما الكاملون في الإيمان الذين آمنوا بالله ـ تعالى ـ ، وبرسوله صلىاللهعليهوسلم من صميم قلوبهم ، وأطاعوا في جميع الأحكام التي من جملتها ما فصل من قبل. وإذا كانوا معه صلىاللهعليهوسلم على أمر مهم يجب إجماعهم في شأنه كالجمعة والأعياد والحروب ، وغيرها من الأمور الداعية إلى الاجتماع ... لم يذهبوا عنه صلىاللهعليهوسلم (حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ) في الذهاب فيأذن لهم ... (٢).
وخص ـ سبحانه ـ الأمر الجامع بالذكر ، للإشعار بأهميته ووجوب البقاء معه صلىاللهعليهوسلم حتى يعطيهم الإذن بالانصراف ، إذ وجودهم معه يؤدى إلى مظاهرته صلىاللهعليهوسلم ومعاونته في الوصول إلى أفضل الحلول لهذا الأمر الهام.
ثم مدح ـ سبحانه ـ الذين لا يغادرون مجلس رسول الله صلىاللهعليهوسلم إذا كانوا معه على أمر جامع حتى يستأذنوه فقال : (إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ).
أى : إن الذين يستأذنونك في تلك الأحوال الهامة ، والتي تستلزم وجودهم معك ، أولئك الذين يؤمنون بالله ورسوله حق الإيمان ، لأن هذا الاستئذان في تلك الأوقات دليل على طهارة نفوسهم ، وصدق يقينهم ، وصفاء قلوبهم.
ثم بين ـ سبحانه ـ وظيفته ـ صلىاللهعليهوسلم فقال : (فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ ، فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللهَ ، إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ).
__________________
(١) السيرة النبوية لابن إسحاق ج ٣ ص ٢٣٠.
(٢) تفسير الآلوسى ج ١٨ ص ٢٢٣.