أى : فإذا استأذنك هؤلاء المؤمنون في الانصراف ، لقضاء بعض الأمور والشئون التي هم في حاجة إليها ، فأنت مفوض ومخير في إعطاء الإذن لبعضهم وفي منعه عن البعض الآخر ، إذ الأمر في هذه المسألة متروك لتقديرك ـ أيها الرسول الكريم ـ.
وقوله ـ تعالى ـ (وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللهَ) فيه إشارة إلى أنه كان الأولى بهؤلاء المؤمنين ، أن يبقوا مع الرسول صلىاللهعليهوسلم حتى ينتهوا من حل هذا الأمر الجامع الذي اجتمعوا مع الرسول صلىاللهعليهوسلم من أجله ، وحتى يأذن لهم صلىاللهعليهوسلم في الانصراف دون أن يطلبوا منه ذلك ، فإن الاستئذان قبل البت في الأمر الهام الذي يتعلق بمصالح المسلمين جميعا ، غير مناسب للمؤمنين الصادقين ، ويجب أن يكون في أضيق الحدود ، وأشد الظروف ، ومع كل ذلك ، فالله ـ تعالى ـ واسع المغفرة لعباده عظيم الرحمة بهم.
ثم أكد الله ـ تعالى ـ وجوب التوقير والتعظيم لنبيه صلىاللهعليهوسلم فقال : (لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً ...).
ولأهل العلم في تفسير هذه الآية أقوال من أهمها : أن المصدر هنا وهو لفظ «دعاء» مضاف إلى مفعوله ، وهو الرسول صلىاللهعليهوسلم على أنه مدعو ، فيكون المعنى :
لا تجعلوا ـ أيها المؤمنون ـ دعاءكم الرسول إذا دعوتموه ، ونداءكم له إذا ما ناديتموه ، كدعاء أو نداء بعضكم لبعض ، وإنما عليكم إذا ما ناديتموه أن تنادوه بقولكم ، يا نبي الله ، أو يا رسول الله ، ولا يليق بكم أن تنادوه باسمه مجردا ، بأن تقولوا يا محمد.
كما أن من الواجب عليكم أن تخفضوا أصواتكم عند ندائه توقيرا واحتراما له صلىاللهعليهوسلم والمتتبع للقرآن الكريم ، يرى أن الله ـ تعالى ـ لم يناد رسوله محمدا صلىاللهعليهوسلم باسمه مجردا ، وإنما ناداه بقوله : يا أيها المدثر ، يا أيها الرسول ، يا أيها النبي ...
وإذا كان اسمه صلىاللهعليهوسلم قد ورد في القرآن الكريم في أكثر من موضع ، فإن وروده لم يكن في معرض النداء ، وإنما كان في غيره كما في قوله ـ تعالى ـ (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ ..). (١).
فالآية الكريمة تنهى المؤمنين عن أن ينادوا أو يخاطبوا النبي صلىاللهعليهوسلم باسمه مجردا ، كما يخاطب بعضهم بعضا.
ومن العلماء من يرى أن المصدر هنا مضاف إلى فاعله ، فيكون المعنى : لا تقيسوا دعاءه
__________________
(١) سورة الفتح الآية ٢٩.