إياكم على دعاء بعضكم بعضا ، بل يجب عليكم متى دعاكم لأمر أن تلبوا أمره بدون تقاعس أو تباطؤ.
وعلى كلا التفسيرين فالآية الكريمة تدل على وجوب توقير الرسول صلىاللهعليهوسلم وتعظيمه. وشبيه بها قوله ـ تعالى ـ : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ ، وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ ، أَنْ تَحْبَطَ أَعْمالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ* إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْواتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ ، أُولئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ) (١).
ثم حذر ـ سبحانه ـ المنافقين من سوء عاقبة أفعالهم فقال : (قَدْ يَعْلَمُ اللهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِواذاً ، فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ ، أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ).
وقد هنا للتحقيق. ويتسللون من التسلل ، وهو الخروج في خفاء مع تمهل وتلصص.
وقوله (لِواذاً) مصدر في موضع الحال أى : ملاوذين. والملاوذة معناها : الاستتار بشيء مخافة من يراك ، أو هي الروغان من شيء إلى شيء على سبيل الخفاء.
أى : إن الله ـ تعالى ـ عليم بحال هؤلاء المنافقين الذين يخرجون من مجلس الرسول صلىاللهعليهوسلم في خفاء واستتار : بحيث يخرجون من الجماعة قليلا قليلا ، يستتر بعضهم ببعض حتى يخرجوا جميعا.
قالوا : وكان المنافقون تارة يخرجون إذا ارتقى الرسول صلىاللهعليهوسلم المنبر. ينظرون يمينا وشمالا. ثم يخرجون واحدا واحدا. وتارة يخرجون من مجلس الرسول صلىاللهعليهوسلم وتارة يفرون من الجهاد يعتذرون بالمعاذير الباطلة.
وعلى أية حال فالآية الكريمة تصور خبث نفوسهم ، والتواء طباعهم ، وجبن قلوبهم ، أبلغ تصوير ، حيث ترسم أحوالهم وهم يخرجون في خفاء متسللين ، حتى لا يراهم المسلمون.
والفاء في قوله ـ تعالى ـ : (فَلْيَحْذَرِ ..). لترتيب ما بعدها على ما قبلها. والضمير في قوله : (عَنْ أَمْرِهِ) يعود إلى النبي صلىاللهعليهوسلم أو إلى الله ـ تعالى ـ والمعنى واحد ، لأن الرسول مبلغ عن الله ـ تعالى ـ.
والمخالفة معناها : أن يأخذ كل واحد طريقا غير طريق الآخر في حاله أو فعله.
والمعنى : فليحذر هؤلاء المنافقون الذين يخالفون أمر النبي صلىاللهعليهوسلم ويصدون الناس عن دعوته. ويتباعدون عن هديه ، فليحذروا من أن تصيبهم فتنة ، أى : بلاء وكرب يترتب عليه
__________________
(١) سورة الحجرات الآيتان ٢ ، ٣.