خيرات وبركات على عباده ، وأن هذا العطاء ثابت مستقر ، وذلك يستلزم عظمته وتقدسه عن كل ما لا يليق بجلاله ـ عز وجل ـ.
ولم يذكر ـ سبحانه ـ لفظ الجلالة ، واكتفى بالاسم الموصول الذي نزل الفرقان ، لإبراز صلته ـ سبحانه ـ وإظهارها في هذا المقام ، الذي هو مقام إثبات صدق رسالته التي أوحاها إلى نبيه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم.
وعبر ـ سبحانه ـ بـ (نَزَّلَ) بالتضعيف ، لنزول القرآن الكريم مفرقا في أوقات متعددة ، لتثبيت فؤاد النبي صلى اللَّه عليه وسلَّم.
ووصف اللَّه ـ تعالى ـ رسوله صلَّى اللَّه عليه وسلَّم بالعبودية ، وأضافها لذاته ، للتشريف والتكريم والتعظيم. وأن هذه العبودية للَّه ـ تعالى ـ هي ما يتطلع إليه البشر.
واختير الإنذار على التبشير. لأن المقام يقتضى ذلك ، إذ أن المشركين قد لجوا في طغيانهم وتمادوا في كفرهم وضلالهم ، فكان من المناسب تخويفهم من سوء عاقبة ما هم عليه من عناد.
وهذه الآية الكريمة تدل على عموم رسالته صلَّى اللَّه عليه وسلَّم للناس جميعا. حيث قال ـ سبحانه ـ : (لِيَكُونَ لِلْعالَمِينَ نَذِيراً) أي : لعالم الإنس وعالم الجن ، وشبيه بها قوله ـ تعالى ـ : (وما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ) (١). وقوله ـ سبحانه ـ : (قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّه إِلَيْكُمْ جَمِيعاً ...) (٢).
ثم وصف ـ سبحانه ـ ذاته بجملة من الصفات التي توجب له العبادة والطاعة فقال : (الَّذِي لَه مُلْكُ السَّماواتِ والأَرْضِ) فهو الخالق لهما. وهو المالك لأمرهما ، لا يشاركه في ذلك مشارك.
والجملة الكريمة خبر لمبتدأ محذوف. أو بدل من قوله : (الَّذِي نَزَّلَ).
(ولَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً) فهو ـ سبحانه ـ منزه عن ذلك وعن كل ما من شأنه أن يشبه الحوادث.
(ولَمْ يَكُنْ لَه شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ) بل هو المالك وحده لكل شيء في هذا الوجود.
(وخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَه تَقْدِيراً) أي : وهو ـ سبحانه ـ الذي خلق كل شيء في هذا الوجود خلقا متقنا حكيما بديعا في هيئته ، وفي زمانه ، وفي مكانه ، وفي وظيفته ، على حسب ما تقتضيه إرادته وحكمته. وصدق اللَّه إذ يقول : (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناه بِقَدَرٍ) (٣).
__________________
(١) سورة الأنبياء الآية ١٠٧.
(٢) سورة الأعراف الآية ١٥٨.
(٣) سورة القمر الآية ٤٩.