هلا أنزل علينا الملائكة لكي يخبرونا بصدق محمد صلىاللهعليهوسلم أو هلا نرى ربنا جهرة ومعاينة ليقول لنا إن محمدا صلىاللهعليهوسلم رسول من عندي! وشبيه بهذه الآية قوله ـ تعالى ـ : (... أَوْ تَأْتِيَ بِاللهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلاً) (١). أى : ليشهدوا بصدقك ، وقد رد الله ـ تعالى ـ عليهم بقوله : (لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيراً).
والعتو : تجاوز الحد في الظلم والعدوان. يقال عتا فلان يعتو عتوا ، إذا تجاوز حده في الطغيان.
أى : والله لقد أضمر هؤلاء الكافرون الاستكبار عن الحق في أنفسهم المغرورة ، وتجاوزوا كل حد في الطغيان تجاوزا كبيرا ، حيث طلبوا مطالب هي أبعد من أن ينالوها بعد الأرض عن السماء. وصدق الله إذ يقول : (... إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ ما هُمْ بِبالِغِيهِ.). (٢).
ووصف ـ سبحانه ـ عتوهم بالكبر للدلالة على إفراطهم فيه ، وأنهم قد وصلوا في عتوهم إلى الغاية القصوى منه.
ثم بين ـ سبحانه ـ الحالة التي يرون فيها الملائكة فقال : (يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ لا بُشْرى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ).
أى : لقد طلب هؤلاء الظالمون نزول الملائكة عليهم ، ورؤيتهم لهم. ونحن سنجيبهم إلى ما طلبوه ولكن بصورة أخرى تختلف اختلافا كليا عما يتوقعونه ، إننا سنريهم الملائكة عند قبض أرواحهم وعند الحساب بصورة تجعل هؤلاء الكافرين يفزعون ويهلعون. بصورة لا تبشرهم بخير ولا تسرهم رؤيتهم معها ، بل تسوؤهم وتحزنهم ، كما قال ـ تعالى ـ : (وَلَوْ تَرى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبارَهُمْ ..). (٣) وكما قال ـ سبحانه ـ : (فَكَيْفَ إِذا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبارَهُمْ) (٤).
فالآية الكريمة مسوقة على سبيل الاستئناف. لبيان حالهم الشنيعة عند ما تنزل عليهم الملائكة. بعد بيان تجاوزهم الحد في الطغيان وفي طلب ما ليس من حقهم.
والمراد بالملائكة هنا : ملائكة العذاب الذين يقبضون أرواحهم ، والذين يقودونهم إلى النار يوم القيامة.
وقال ـ سبحانه ـ : (يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ ..). ولم يقل : يوم تنزل الملائكة ، للإيذان
__________________
(١) سورة الإسراء الآية ٩٢.
(٢) سورة غافر الآية ٥٦.
(٣) سورة الأنفال الآية ٥٠.
(٤) سورة محمد الآية ٢٧.