أى : الملك الثابت الذي لا يزول ، ولا يشاركه فيه أحد للرحمن يومئذ ، وكان هذا اليوم عسيرا على الكافرين ، لشدة الهول والعذاب الذي يقع عليهم فيه.
وخص ـ سبحانه ـ ثبوت الملك له في هذا اليوم بالذكر ، مع أنه ـ تعالى ـ هو المالك لهذا الكون في هذا اليوم وفي غيره ، للرد على الكافرين الذين زعموا أن أصنامهم ستشفع لهم يوم القيامة ، ولبيان أن ملك غيره ـ سبحانه ـ في الدنيا. إنما هو ملك صورى زائل ، أما الملك الثابت الحقيقي فهو لله الواحد القهار.
قال ابن كثير : وفي الصحيح «أن الله يطوى السموات بيمينه ، ويأخذ الأرضين بيده الأخرى ثم يقول : أنا الملك. أنا الديان. أين ملوك الأرض أين الجبارون. أين المتكبرون» (١).
ثم صور ـ سبحانه ـ ما سيكون عليه الكافرون يوم القيامة من حسرة وندامة ، تصويرا بليغا ، مؤثرا فقال : (وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلى يَدَيْهِ يَقُولُ يا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً. يا وَيْلَتى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً).
وقد ذكر المفسرون في سبب نزول هذه الآيات أن عقبة بن أبى معيط دعا النبي صلىاللهعليهوسلم لحضور طعام عنده ، فقال له النبي صلىاللهعليهوسلم لا آكل من طعامك حتى تنطق بالشهادتين. فنطق بهما. فبلغ ذلك صديقه أمية بن خلف أو أخاه أبى بن خلف ، فقال له : يا عقبة بلغني أنك أسلمت. فقال له : لا. ولكن قلت ما قلت تطييبا لقلب محمد صلىاللهعليهوسلم حتى يأكل من طعامي. فقال له : كلامك على حرام حتى تفعل كذا وكذا بمحمد صلىاللهعليهوسلم ففعل الشقي ما أمره به صديقه الذي لا يقل شقاوة عنه.
أما عقبة فقد أمر النبي صلىاللهعليهوسلم بقتله في غزوة بدر وأما أبى بن خلف فقد طعنه النبي صلىاللهعليهوسلم في غزوة أحد طعنة لم يبق بعدها سوى زمن يسير ثم هلك.
وعلى أية حال فإن الآيات وإن كانت قد نزلت في هذين الشقيين. فإنها تشمل كل من كان على شاكلتهما في الكفر والعناد ، إذ العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
وعض اليدين كناية عن شدة الحسرة والندامة والغيظ ، لأن النادم ندما شديدا ، يعض يديه. وليس أحد أشد ندما يوم القيامة من الكافرين.
__________________
(١) تفسير ابن كثير ج ٦ ص ١١٥.