قال الإمام ابن كثير ـ رحمهالله ـ : يخبر ـ تعالى ـ عن استهزاء المشركين بالرسول صلىاللهعليهوسلم إذا رأوه ، كما قال ـ تعالى ـ : (وَإِذا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُواً ، أَهذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ ..). يعنونه بالعيب والنقص .. (١).
ومن عجب أن هؤلاء المشركين الذين كانوا يستهزئون بالرسول صلىاللهعليهوسلم بعد بعثته إليهم ، هم أنفسهم الذين كانوا يلقبونه قبل بعثته بالصادق الأمين ، وما حملهم على هذا الكذب والجحود إلا الحسد والعناد.
وقوله ـ تعالى ـ : (أَهذَا الَّذِي بَعَثَ اللهُ رَسُولاً) مقول لقول محذوف وعائد الموصول محذوف ـ أيضا ـ. أى : كلما وقعت أبصار أعدائك عليك ـ أيها الرسول الكريم ـ سخروا منك ، واستنكروا نبوتك ، وقالوا على سبيل الاستبعاد والتهكم : أهذا هو الإنسان الذي بعثه الله ـ تعالى ـ ليكون رسولا إلينا. وقولهم هذا الذي حكاه القرآن عنهم ، يدل على أنهم بلغوا أقصى درجات الجهالة وسوء الأدب.
ثم يشير القرآن إلى كذبهم فيما قالوه ، لأنهم مع إظهارهم للسخرية منه صلىاللهعليهوسلم كانوا في واقع أمرهم ، وحقيقة حالهم يعترفون له بقوة الحجة ، وهذا ما حكاه القرآن عنهم في قوله : (إِنْ كادَ لَيُضِلُّنا عَنْ آلِهَتِنا لَوْ لا أَنْ صَبَرْنا عَلَيْها).
أى : أنهم كانوا يقولون فيما بينهم : إن هذا الرسول كاد أن يصرفنا بقوة حجته عن عبادة آلهتنا. لو لا أننا قاومنا هذا الشعور وثبتنا على عبادة أصنامنا.
قال الآلوسى : قوله : (إِنْ كادَ لَيُضِلُّنا عَنْ آلِهَتِنا) أى : يصرفنا عن عبادتها صرفا كليا بحيث يبعدنا عنها لا عن عبادتها فقط. لو لا أن صبرنا عليها واستمسكنا بعبادتها ... وهذا اعتراف منهم بأنه صلىاللهعليهوسلم قد بلغ من الاجتهاد في الدعوة إلى التوحيد .. ما شارفوا معه أن يتركوا دينهم لو لا فرط جهالاتهم ولجاجهم وغاية عنادهم (٢).
وقوله ـ تعالى ـ : (وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ الْعَذابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلاً) تهديد لهم على سوء أدبهم ، وعلى جحودهم للحق بعد أن تبين لهم.
أى : وسوف يعلم هؤلاء الكافرون حين يرون العذاب ماثلا أمام أعينهم ، من أبعد طريقا عن الحق ، أهم أم المؤمنون.
__________________
(١) تفسير ابن كثير ج ٦ ص ١٢١.
(٢) تفسير الآلوسى ج ١٩ ص ٢٢.