فالجملة الكريمة وعيد شديد لهم على استهزائهم بالرسول الكريم الذي جاءهم ليخرجهم من ظلمات الكفر إلى نور الإيمان.
ثم يهملهم القرآن ويتركهم في طغيانهم يعمهون ، ويلتفت بالخطاب إلى الرسول صلىاللهعليهوسلم ليسرى عن نفسه ، وليسليه عما لحقه منهم ، وليبين له حقيقة حالهم فيقول : (أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ ، أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً ..).
والاستفهام في قوله ـ سبحانه ـ (أَرَأَيْتَ) للتعجب من شناعة أحوالهم ، ومن قبح تفكيرهم.
والمراد ب (هَواهُ) ما يستحسنه من تصرفات حتى ولو كانت في نهاية القبح والسخف.
قال ابن عباس : كان الرجل في الجاهلية يعبد الحجر الأبيض زمانا ، فإذا رأى غيره أحسن منه عبد الثاني وترك الأول.
والمعنى : انظر وتأمل ـ أيها الرسول الكريم ـ في أحوال هؤلاء الكافرين فإنك لن ترى جهالة كجهالاتهم ، لأنهم إذا حسن لهم هواهم شيئا اتخذوه إلها لهم. مهما كان قبح تصرفهم. وانحطاط تفكيرهم ..
فهل مثل هؤلاء يصلحون لأن تهتم بأمرهم ، أو تحزن لاستهزائهم؟ كلا إنهم لا يصلحون لذلك ، وعليك أن تمضى في طريقك فأنت لا تقدر على حفظهم أو كفالتهم أو هدايتهم ، وإنما نحن الذين نقدر على ذلك ، وسنتصرف معهم بما تقضتيه حكمتنا ومشيئتنا.
فقوله ـ تعالى ـ : (أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً) استئناف مسوق لاستبعاد كونه صلىاللهعليهوسلم وكيلا أو حفيظا لهذا الذي اتخذ إلهه هواه ، والاستفهام للنفي والإنكار. أى : إنك ـ أيها الرسول الكريم ـ لا قدرة لك على حفظه من الوقوع في الكفر والضلال.
ثم أضاف ـ سبحانه ـ إلى توبيخهم السابق توبيخا أشد وأنكى فقال ـ تعالى ـ : (أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ.).
و «أم» هنا : هي المنقطعة ، وهي تجمع في معناها بين الإضراب الانتقالى ، والاستفهام الإنكارى.
أى : بل أتحسب أن أكثر هؤلاء الكافرين يسمعون ما ترشدهم إليه سماع تدبر وتعقل ، أو يعقلون ما تأمرهم به أو تنهاهم عنه بانفتاح بصيرة ، وباستعداد لقبول الحق ..
كلا إنهم ليسوا كذلك ، لاستيلاء الجحود والحسد على قلوبهم.