والخطاب للرسول صلىاللهعليهوسلم والاستفهام للتقرير.
والمعنى لقد رأيت ـ أيها الرسول الكريم ـ بعينيك ، وتأملت بعقلك وبصيرتك ، في صنع ربك الذي أحسن كل شيء خلقه ، وكيف أنه ـ سبحانه ـ مد الظل ، أى : بسطه وجعله واسعا متحركا مع حركة الأرض في مواجهة الشمس ، وجعله مكانا يستظل فيه الناس من وهج الشمس وحرها ، فيجدون عنده الراحة بعد التعب .. وهذا من عظيم رحمة ربك بعباده.
وقوله ـ تعالى ـ : (وَلَوْ شاءَ لَجَعَلَهُ ساكِناً) جملة معترضة لبيان مظهر من مظاهر قدرته ـ تعالى ـ. أى : «ولو شاء» ـ سبحانه ـ لجعل هذا الظل «ساكنا» أى : ثابتا دائما مستقرا على حالة واحدة بحيث لا تزيله الشمس ، ولا يذهب عن وجه الأرض ، ولكنه ـ سبحانه ـ لم يشأ ذلك ، لأن مصلحة خلقه ومنفعتهم في وجوده على الطريقة التي أوجده عليها بمقتضى حكمته.
وقوله ـ سبحانه ـ : (ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلاً) معطوف على قوله (مَدَّ الظِّلَ) داخل في حكمه. أى : ألم تر إلى عجيب صنع ربك كيف مد الظل ، ثم جعلنا بقدرتنا وحكمتنا الشمس دليلا عليه ، إذ هو يزول بتسلطها عليه ويظهر عند احتجابها عنه ، ويستدل بأحوالها على أحواله ، فهو يتبعها كما يتبع الإنسان من يدله على الشيء ، من حيث إنه يزيد كلما احتجبت عنه ، ويتقلص كلما ظهرت عليه.
قال الجمل : قوله : (ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلاً) أى : جعلنا الشمس بنسخها الظل عند مجيئها دالة على أن الظل شيء ، لأن الأشياء تعرف بأضدادها ، ولو لا الشمس ما عرف الظل ، ولو لا النور ما عرفت الظلمة .. ولم يؤنث الدليل ـ وهو صفة للشمس ـ لأنه في معنى الاسم ، كما يقال : الشمس برهان ، والشمس حق (١).
وقوله ـ تعالى ـ : (ثُمَّ قَبَضْناهُ إِلَيْنا قَبْضاً يَسِيراً) معطوف ـ أيضا ـ على «مد» وداخل في حكمه.
والقبض : ضد المد والبسط. واليسير : السهل الذي لا عسر فيه.
أى : ثم قبضنا ذلك الظل الممدود بقدرتنا وحكمتنا ـ قبضا يسيرا وهينا علينا. بأن محوناه بالتدريج عند إيقاعنا الشمس عليه. حتى انتهى أمره إلى الزوال والاضمحلال.
وقال ـ سبحانه ـ : (إِلَيْنا) للتنصيص على أن مد الظل وقبضه مرجعه إليه
__________________
(١) حاشية الجمل على الجلالين ج ٣ ص ٢٦١.