ـ تعالى ـ وحده. فليس في إمكان أحد سواه ـ عزوجل ـ أن يفعل ذلك.
قال صاحب الكشاف : قوله : (ثُمَّ قَبَضْناهُ إِلَيْنا قَبْضاً يَسِيراً) أى : على مهل. وفي هذا القبض اليسير شيئا بعد شيء من المنافع ما لا يعد ولا يحصر. ولو قبض دفعة واحدة لتعطلت أكثر مرافق الناس بالظل والشمس جميعا.
فإن قلت : «ثم» في هذين الموضعين كيف موقعها؟ قلت : موقعها لبيان تفاضل الأمور الثلاثة : كان الثاني أعظم من الأول ، والثالث أعظم منهما ، تشبيها لتباعد ما بينهما في الفضل ، بتباعد ما بين الحوادث في الوقت ... ويحتمل أن يريد قبضه عند قيام الساعة بقبض أسبابه وهي الأجرام التي تبقى الظل ، فيكون قد ذكر إعدامه بإعدام أسبابه (١).
ثم انتقلت السورة من الحديث عن الظل ومده وقبضه. إلى الحديث عن الليل والنوم والنهار. فقال ـ تعالى ـ : (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِباساً ، وَالنَّوْمَ سُباتاً وَجَعَلَ النَّهارَ نُشُوراً). ولباسا : أى : ساترا بظلامه كما يستر اللباس ما تحته.
والسبات : الانقطاع عن الحركة مع وجود الروح في البدن ، مأخوذ من السبت بمعنى القطع أو الراحة والسكون ، ومنه قوله ـ تعالى ـ : (وَجَعَلْنا نَوْمَكُمْ سُباتاً) أى راحة لأبدانكم.
والنشور : بمعنى الانتشار والحركة لطلب المعاش. أى : وهو ـ سبحانه ـ الذي جعل لكم ـ أيها الناس ـ الليل «لباسا» أى : ساترا لكم يستركم كما يستر اللباس عوراتكم ، وجعل لكم النوم «سباتا» أى : راحة لأبدانكم من عناء العمل. وما يصاحبه من مشقة وتعب ، وجعل ـ سبحانه ـ النهار «نشورا» أى : وقتا مناسبا لانتشاركم فيه ، وللسير في مناكب الأرض ، طلبا للرزق والكسب ووسائل المعيشة.
وهكذا تتقلب الحياة بالإنسان وهو تارة تحت جنح الليل الساتر ، وتارة مستغرق في نومه ، وتارة يكدح لطلب معاشه.
وشبيه بهذه الآية قوله ـ تعالى ـ : (وَجَعَلْنا نَوْمَكُمْ سُباتاً* وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِباساً* وَجَعَلْنَا النَّهارَ مَعاشاً) (٢).
ثم ذكر ـ سبحانه ـ نعمته في الرياح ، حيث تكون بشيرا بالأمطار التي تحيى الأرض بعد موتها ، فقال ـ تعالى ـ : (وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ).
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ٣ ص ٢٨٣.
(٢) سورة النبأ الآيات من ٩ ـ ١١.