وهذا الحاجز الذي جعله ـ سبحانه ـ بين البحرين : العذب والملح ، من أكبر الأدلة وأعظمها على قدرة الله ـ تعالى ـ ، وعلى أن لهذا الكون إلها صانعا حكيما مدبرا وأن كل شيء في هذا الكون يسير بنظام معلوم ، وبنسق مرسوم.
وبعد هذا الحديث المتنوع عن مظاهر قدرة الله ـ تعالى ـ في الظل وفي الرياح وفي الماء ..
جاء الحديث عن خلق الإنسان. فقال ـ تعالى ـ : (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْماءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً ...).
والمراد بالماء : ماء النطفة ، وبالبشر الإنسان. أو المراد بالماء : الماء المطلق الذي أشار إليه سبحانه في قوله : (وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ).
أى : وهو ـ سبحانه ـ الذي خلق من ماء النطفة إنسانا «فجعله نسبا وصهرا» أى : فجعل من جنس هذا الإنسان ذوى نسب : وهم الذكور الذين ينتسب إليهم بأن يقال فلان بن فلان ، كما جعل من جنسه ـ أيضا ذوات صهر وهن الإناث ، لأنهن موضع المصاهرة.
والصهر يطلق على أهل بيت المرأة وأقاربها ، كالأبوين والإخوة والأعمام والأخوال ، فهؤلاء يعتبرون أصهارا لزوج المرأة.
قال صاحب الكشاف : قسم ـ سبحانه ـ البشر قسمين : ذوى نسب ، أى : ذكورا ينسب إليهم فيقال : فلان بن فلان وفلانة بنت فلان وذوات صهر : أى : إناثا يصاهر بهن ونحوه قوله ـ تعالى ـ : (فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى) (١).
(وَكانَ رَبُّكَ قَدِيراً) حيث خلق ـ سبحانه ـ من النطفة الواحدة بشرا نوعين : ذكرا وأنثى (٢).
وإلى هنا نرى هذه الآية الكريمة قد اشتملت على ستة أدلة محسوسة على وحدانية الله ـ تعالى ـ وقدرته. وهذه الأدلة الستة هي. الظلال قبضا وبسطا ، والليل والنهار راحة ونشورا ، والرياح بشرا بين يدي رحمته ، والأمطار حياة للناس والأنعام وغيرهما ، ومرج البحرين أحدهما عذب فرات والآخر ملح أجاج ، وخلق الإنسان من نطفة منها الذكر ومنها الأنثى.
* * *
ثم بينت السورة الكريمة بعد ذلك موقف المشركين من هذه النعم العظيمة كما بينت وظيفة
__________________
(١) سورة القيامة الآية ٣٩.
(٢) تفسير الكشاف ج ٣ ص ٢٨٧.