نفعه عائدا عليهم ـ عائدا إليه صلىاللهعليهوسلم في صورة الأجر (١).
وعلى كلا الرأيين فالآية الكريمة تدل دلالة واضحة على أن الرسول صلىاللهعليهوسلم لا يطلب أجرا من الناس على دعوته ، ولا يمنعهم من إنفاق جزء من أموالهم في وجه الخير ، وأنه صلىاللهعليهوسلم يعتبر إيمانهم بالحق الذي جاء به ، هو بمثابة الأجر له ، حيث إن الدال على الخير كفاعله.
ولقد حكى القرآن الكريم في كثير من آياته ، أن جميع الأنبياء ـ عليهم الصلاة والسلام ـ ما سألوا الناس أجرا على دعوتهم إياهم إلى عبادة الله ـ تعالى ـ وطاعته. ومن هذه الآيات قوله ـ سبحانه ـ حكاية عن نوح وهود وصالح ولوط وشعيب ـ : (وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ) (٢).
ثم أمر ـ سبحانه ـ نبيه صلىاللهعليهوسلم بالاجتهاد في تبليغ رسالته وبالتوكل عليه وحده ، فقال ـ تعالى ـ : (وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ ..).
أى : سر في طريقك ـ أيها الرسول الكريم ـ لتبليغ دعوتنا ، ولا تلتفت إلى دنيا الناس وأموالهم. وتوكل توكلا تاما على الله ـ تعالى ـ فهو الحي الباقي الذي لا يموت ، أما غيره فإنه ميت وزائل.
(وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ) أى : ونزه ربك عن كل نقص ، وأكثر من التقرب إليه بصالح الأعمال. (وَكَفى بِهِ بِذُنُوبِ عِبادِهِ) ما ظهر منها وما بطن ، وما بدا منها وما استتر (خَبِيراً) أى عليما بها علما تاما ، لا يعزب عنه ـ سبحانه ـ مثقال ذرة منها.
(الَّذِي خَلَقَ) بقدرته التي لا يعجزها شيء (السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما) من هواء وأجرام لا يعلمها إلا هو ـ سبحانه ـ.
(فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ) من أيامه التي لا يعلم مقدار زمانها إلا هو ـ عزوجل ـ (ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ) استواء واستعلاء يليق بذاته ، بلا كيف أو تشبيه أو تمثيل ، كما قال الإمام مالك ـ رحمهالله ـ : الكيف غير معقول ، والاستواء غير مجهول ، والإيمان به واجب ، والسؤال عنده بدعة. ولفظ «ثم» في قوله (ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ) لا يدل على الترتيب الزمنى وإنما يدل على بعد الرتبة ، رتبة الاستواء والاستعلاء والتملك.
__________________
(١) تفسير الآلوسى ج ١٩ ص ٣٧.
(٢) سورة الشعراء الآيتان ١٠٩ ، ١٢٧.