وهذا النداء كان بالوادي المقدس طوى ، كما جاء في سورة طه (١) وفي سورة النازعات (٢).
أى : واذكر ـ أيها الرسول الكريم ـ وقت أن نادى ربك نبيه موسى قائلا له : اذهب إلى القوم الظالمين لتبلغهم رسالتي ، وتأمرهم بإخلاص العبادة لي.
وقوله : (قَوْمَ فِرْعَوْنَ) بدل أو عطف بيان ، ووصفهم ـ سبحانه ـ بالظلم لعبادتهم لغيره ، ولعدوانهم على بنى إسرائيل بقتل الذكور ، واستبقاء النساء.
وقوله : ـ تعالى ـ (أَلا يَتَّقُونَ) تعجيب من حالهم. أى : ائتهم يا موسى وقل لهم : ألا يتقون الله ـ تعالى ـ ويخشون عقابه. ويكفون عن كفرهم وظلمهم.
ثم حكى ـ سبحانه ـ رد موسى فقال : (قالَ رَبِّ إِنِّي أَخافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ).
أى : قال موسى في الإجابة على ربه ـ عزوجل ـ : يا رب إنى أعرف هؤلاء القوم ، وأعرف ما هم عليه من ظلم وطغيان ، وإنى أخاف تكذيبهم لي عند ما أذهب إليهم لتبليغ وحيك (وَيَضِيقُ صَدْرِي) أى : وينتابنى الغم والهم بسبب تكذيبهم لي ..
(وَلا يَنْطَلِقُ لِسانِي) أى : وليس عندي فصاحة اللسان التي تجعلني أظهر ما في نفسي من تفنيد لأباطيلهم ، ومن إزهاق لشبهاتهم ، خصوصا عند اشتداد غضبى عليهم.
(فَأَرْسِلْ إِلى هارُونَ) أى : فأرسل وحيك الأمين إلى أخى هارون ، ليكون معينا لي على تبليغ ما تكلفني بتبليغه.
(وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ) حيث إنى قتلت منهم نفسا (فَأَخافُ أَنْ يَقْتُلُونِ) عند ما أذهب إليهم ، على سبيل القصاص منى.
فأنت ترى أن موسى ـ عليهالسلام ـ قد شكا إلى ربه خوفه من تكذيبهم وضيق صدره من طغيانهم ، وعقدة في لسانه ، وخشيته من قتلهم له عند ما يرونه.
وليس هذا من باب الامتناع عن أداء الرسالة ، أو الاعتذار عن تبليغها. وإنما هو من باب طلب العون من الله ـ تعالى ـ والاستعانة به ـ عزوجل ـ على تحمل هذا الأمر والتماس الإذن منه ـ في إرسال هارون معه. ليكون عونا له في مهمته ، وليخلفه في تبليغ الرسالة في حال قتلهم له ..
وشبيه بهذا الجواب ما حكاه عنه ـ سبحانه ـ في سورة طه في قوله ـ تعالى ـ (اذْهَبْ إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى. قالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي. وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي. وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسانِي
__________________
(١) سورة طه الآية ١٢.
(٢) سورة النازعات الآية ١٦.