أى : قال فرعون لموسى بعد أن عرفه ، وبعد أن طلب منه موسى أن يرسل معه بنو إسرائيل. قال له يا موسى (أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينا وَلِيداً) أى : ألم يسبق لك أنك عشت في منزلنا ، ورعيناك وأنت طفل صغير عند ما قالت امرأتى (لا تَقْتُلُوهُ عَسى أَنْ يَنْفَعَنا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً.) ..
(وَلَبِثْتَ فِينا) أى : في كنفنا وتحت سقف بيتنا (مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ) عددا.
(وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ) وهي قتلك لرجل من شيعتي (وَأَنْتَ مِنَ الْكافِرِينَ).
أى : وأنت من الجاحدين بعد ذلك لنعمتي التي أنعمتها عليك ، في حال طفولتك ، وفي حال صباك ، وفي حال شبابك.
لأنك جئتني أنت وأخوك بما يخالف ديننا ، وطلبتما منا أن نرسل معكما بنى إسرائيل. فهل هذا جزاء إحسانى إليك؟.
وهكذا نرى فرعون يوجه إلى موسى ـ عليهالسلام ـ تلك الأسئلة على سبيل الإنكار عليه لما جاء به ، متوهما أنه قد قطع عليه طريق الإجابة.
ولكن موسى ـ عليهالسلام ـ وقد استجاب الله ـ تعالى ـ دعاءه ، وأزال عقدة لسانه ، رد عليه ردا حكيما ، فقال ـ كما حكى القرآن عنه : (قالَ فَعَلْتُها إِذاً وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ).
أى قال موسى في جوابه على فرعون : أنا لا أنكر أنى قد فعلت هذه الفعلة التي تذكرني بها ، ولكني فعلتها وأنا في ذلك الوقت من الضالين ، أى : فعلت ذلك قبل أن يشرفنى الله بوحيه ، ويكلفني بحمل رسالته ، وفضلا عن ذلك فأنا كنت أجهل أن هذه الوكزة تؤدى إلى قتل ذلك الرجل من شيعتك ، لأنى ما قصدت قتله ، وإنما قصدت تأديبه ومنعه من الظلم لغيره.
فالمراد بالضلال هنا : الجهل بالشيء ، والذهاب عن معرفة حقيقيته.
وقوله : (فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ) بيان لما ترتب على فعلته التي فعلها.
أى : وبعد هذه الفعلة التي فعلتها وأنا من الضالين ، توقعت الشر منكم ، ففررت من وجوهكم حين خشيت منكم على نفسي فكانت النتيجة أن وهبنى (رَبِّي حُكْماً) أى : علما نافعا (وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ) الذين اصطفاهم الله ـ تعالى ـ لحمل رسالته والتشرف بنبوته.
ثم أضاف موسى ـ عليهالسلام ـ إلى هذا الرد الملزم لفرعون. ردا آخر أشد إلزاما وتوبيخا فقال : (وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّها عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرائِيلَ).