ورب المشرق الذي هو جهة طلوع الشمس وطلوع النهار. ورب المغرب الذي هو غروب الشمس وغروب النهار.
وخصهما بالذكر. لأنهما من أوضح الأدلة على وحدانية الله ـ تعالى ـ وقدرته ولأن فرعون أو غيره من الطغاة لا يجرأ ولا يملك ادعاء تصريفهما أو التحكم فيهما على تلك الصورة البديعة المطردة. والتي لا اختلال فيها ولا اضطراب ..
كما قال إبراهيم للذي حاجه في ربه : (فَإِنَّ اللهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِها مِنَ الْمَغْرِبِ ، فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ.) ..
وجملة (إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ) حض لهم على التعقل والتدبر ، وتحذير لهم من التمادي في الجحود والعناد.
أى : ربنا وربكم هو رب هذه الكائنات كلها ، فأخلصوا العبادة له ، إن كانت لكم عقول تعقل ما قلته لكم ، وتفهم ما أرشدتكم إليه.
وهكذا انتقل بهم موسى من دليل إلى دليل على وحدانية الله وقدرته ، ومن حجة إلى حجة ، ومن أسلوب إلى أسلوب لكي لا يترك مجالا في عقولهم للتردد في قبول دعوته ..
ولكن فرعون ـ وقد شعر بأن حجة موسى قد ألقمته حجرا انتقل من أسلوب المحاورة في شأن رسالة موسى إلى التهديد والوعيد ـ شأن الطغاة عند ما يعجزون عن دفع الحجة بالحجة ـ فقال لموسى عليهالسلام ـ : (لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلهَاً غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ).
أى : قال فرعون لموسى بثورة وغضب : لئن اتخذت إلها غيرى يا موسى ليكون معبودا لك من دوني ، لأجعلنك واحدا من جملة المسجونين في سجنى فهذا شأنى مع كل من يتمرد على عبادتي ، ويخالف أمرى ..
قال صاحب الكشاف : فإن قلت : ألم يكن لأسجننك أخصر من (لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ) ومؤديا مؤداه؟
قلت : أما كونه أخصر فنعم. وأما كونه مؤديا مؤداه فلا ، لأن معناه : «لأجعلنك واحدا ممن عرفت حالهم في سجونى وكان من عادته أن يأخذ من يريد سجنه فيطرحه في هوة ذاهبة في الأرض ، بعيدة العمق. لا يبصر فيها ولا يسمع فكان ذلك أشد من القتل» (١) ..
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ٣ ص ٣٠٨.