قوله : (وَقالَ فِرْعَوْنُ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي.). (١).
فهو ينكر رسالة موسى ـ عليهالسلام ـ من أساسها ..
وهنا يرد موسى. بقوله : (قالَ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ).
أى : قال موسى : ربنا ـ يا فرعون ـ هو رب السموات ورب الأرض ، ورب ما بينهما من أجرام وهواء. وإن كنتم موقنين بشيء من الأشياء ، فإيمانكم بهذا الخالق العظيم وإخلاصكم العبادة له أولى من كل يقين سواه.
وفي هذا الجواب استصغار لشأن فرعون. وتحقير لمزاعمه ، فكأنه يقول له : إن ربنا هو رب هذا الكون الهائل العظيم ، أما ربوبيتك أنت ـ فمع بطلانها ـ هي ربوبية لقوم معينين خدعتهم بدعواك الألوهية ، فأطاعوك لسفاهتهم وفسقهم ..
وهنا يلتفت فرعون إلى من حوله ليشاركوه التعجيب مما قاله موسى وليصرفهم عن التأثر بما سمعوه منه ، فيقول لهم : (أَلا تَسْتَمِعُونَ) أى : ألا تستمعون إلى هذا القول الغريب الذي يقوله موسى. والذي لا عهد لنا به ، ولا قبول عندنا له ولا صبر لنا عليه ...
ولكن موسى ـ عليهالسلام ـ لم يمهلهم حتى يردوا على فرعون بل أكد لهم وحدانية الله ـ تعالى ـ وهيمنته على هذا الكون (قالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ).
أى : ربنا الذي هو رب السموات والأرض وما بينهما ، هو ربكم أنتم ـ أيضا ـ وهو رب آبائكم الأولين ، فكيف تتركون عبادته ، وتعبدون عبدا من عباده ومخلوقا من مخلوقاته هو فرعون؟
وهنا لم يملك فرعون إلا الرد الدال على إفلاسه وعجزه ، فقال ملتفتا إلى من حوله : (إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ).
أى : قال فرعون ـ على سبيل السخرية بموسى ـ مخاطبا أشراف قومه : إن رسولكم الذي أرسل إليكم بما سمعتم (لَمَجْنُونٌ) لأنه يتكلم بكلام لا تقبله عقولنا ، ولا تصدقه آذاننا وسماه رسولا على سبيل الاستهزاء ، وجعل رسالته إليهم لا إليه ، لأنه ـ في زعم نفسه ـ أكبر من أن يرسل إليه رسول ، ولكي يهيجهم حتى ينكروا على موسى قوله ..
ولكن موسى ـ عليهالسلام ـ لم يؤثر ما قاله فرعون في نفسه ، بل رد عليه وعليهم بكل شجاعة وحزم فقال : (رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَما بَيْنَهُما إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ).
أى : قال موسى : ربنا رب السموات والأرض وما بينهما. وربكم ورب آبائكم الأولين.
__________________
(١) سورة القصص الآية ٣٨.