يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ (٣٧) فَجُمِعَ السَّحَرَةُ لِمِيقاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ (٣٨) وَقِيلَ لِلنَّاسِ هَلْ أَنْتُمْ مُجْتَمِعُونَ (٣٩) لَعَلَّنا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ إِنْ كانُوا هُمُ الْغالِبِينَ (٤٠) فَلَمَّا جاءَ السَّحَرَةُ قالُوا لِفِرْعَوْنَ أَإِنَّ لَنا لَأَجْراً إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغالِبِينَ (٤١) قالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذاً لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ)(٤٢)
أى : قال فرعون للملأ المحيطين به ـ بعد أن زلزلته معجزة موسى ـ (إِنَّ هذا لَساحِرٌ عَلِيمٌ).
أى : لساحر بارع في فن السحر ، فهو مع اعترافه بضخامة ما أتى به موسى ، يسميه سحرا.
ثم يضيف إلى ذلك قوله لهم : (يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ) هذا الساحر (مِنْ أَرْضِكُمْ) التي نشأتم عليها (فَما ذا تَأْمُرُونَ) أى : فبأى شيء تشيرون على وأنتم حاشيتى ومحل ثقتي؟
وفي هذه الجملة الكريمة تصوير بديع لنفس هذا الطاغية وأمثاله ..
إنه منذ قليل كان يرغى ويزبد. وإذا به بعد أن فاجأه موسى بمعجزته ، يصاب بالذعر ويقول لمن زعم أنه ربهم الأعلى (فَما ذا تَأْمُرُونَ).
وهكذا الطغاة عند ما يضيق الخناق حول رقابهم يتذللون ويتباكون .. فإذا ما انفك الخناق من حول رقابهم ، عادوا إلى طغيانهم وفجورهم.
ورحم الله صاحب الكشاف فقد قال : «ولقد تحير فرعون لما أبصر الآيتين ، وبقي لا يدرى أى طرفيه أطول ، حتى زل عنه ذكر دعوى الألوهية ، وحط عن منكبيه كبرياء الربوبية. وارتعدت فرائصه ، وانتفخ سحره ـ أى رئته ـ خوفا وفرقا ، وبلغت به الاستكانة لقومه الذين هم بزعمه عبيده وهو إلههم : أن طفق يؤامرهم ويعترف لهم بما حذر منه وتوقعه وأحس به من جهة موسى ـ عليهالسلام ـ» (١).
ورد الملأ من قوم فرعون عليه بقولهم : (أَرْجِهْ وَأَخاهُ) أى : أخر أمرهما ، يقال :
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ٣ ص ٣١٠.