أرجأت هذا الأمر وأرجيته. إذا أخرته. ومنه أخذ لفظ المرجئة لتلك الفرقة التي تؤخر العمل وتقول : لا يضر مع الإيمان معصية كما لا ينفع مع الكفر طاعة.
(وَابْعَثْ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ) أى : وابعث في مدن مملكتك رجالا من شرطتك يحشرون السحرة ، أى : يجمعونهم عندك لتختار منهم من تشاء.
وقوله : (يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ) مجزوم في جواب الأمر. أى : إن تبعثهم يأتوك بكل سحار فائق في سحره ، عليم بفنونه ومداخله.
ولبى فرعون طلب مستشاريه ، فأرسل في المدائن من يجمع له السحرة (فَجُمِعَ السَّحَرَةُ) أى المعروفون ببراعتهم فيه (لِمِيقاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ) أى : جمعوا وطلب منهم الاستعداد لمنازلة موسى ـ عليهالسلام ـ في وقت معين هو «يوم الزينة» أى : يوم العيد. كما قال ـ تعالى ـ في آية أخرى : (قالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى).
ثم حكى ـ سبحانه ـ ما فعله أعوان فرعون من حض الناس على حضور تلك المباراة فقال : (وَقِيلَ لِلنَّاسِ هَلْ أَنْتُمْ مُجْتَمِعُونَ) أى : في ذلك اليوم المعلوم الذي ينازل فيه السحرة موسى فالمقصود بالاستفهام الحض على الحضور والحث على عدم التخلف.
والترجي في قولهم (لَعَلَّنا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ إِنْ كانُوا هُمُ الْغالِبِينَ) المقصود به ـ أيضا ـ حض السحرة على بذل أقصى جهدهم ليتغلبوا على موسى ـ عليهالسلام ـ ، فكأنهم يقولون لهم : ابذلوا قصارى جهدكم في حسن إعداد سحركم فنحن نرجو أن تكون الغلبة لكم ، فنكون معكم لا مع موسى ـ عليهالسلام ـ.
ثم يحكى القرآن بعد ذلك ما قاله السحرة لفرعون عند التقائهم به فيقول : (فَلَمَّا جاءَ السَّحَرَةُ قالُوا لِفِرْعَوْنَ) بعد أن التقى بهم ليشجعهم على الفوز ، (أَإِنَّ لَنا لَأَجْراً) مجزيا (إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغالِبِينَ) لموسى ـ عليهالسلام ـ.
وهنا يرد عليهم فرعون ، فيعدهم. ويمنيهم (قالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذاً لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ). أى : نعم لكم الأجر العظيم الذي يرضيكم ، وفضلا عن ذلك فستكونون عندي من الرجال المقربين إلى نفسي ، والذين سأخصهم برعايتي ومشورتي.
وهكذا يعد فرعون السحرة ويمنيهم (وَما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلَّا غُرُوراً).
ثم حكى ـ سبحانه ـ بعد ذلك ما قاله موسى للسحرة ، وما قال فرعون لهم بعد أن أعلنوا إيمانهم ، فقال ـ تعالى ـ :