ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ (٦٦) إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (٦٧) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ)(٦٨)
وقوله ـ سبحانه ـ : (وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَسْرِ بِعِبادِي.). معطوف على كلام مقدر يفهم من سياق القصة.
والتقدير : وبعد أن انتصر موسى على السحرة نصرا جعلهم يخرون ساجدين لله ـ تعالى ـ وبعد أن مكث موسى في مصر حينا من الدهر ، يدعو فرعون وقومه إلى إخلاص العبادة لله ـ تعالى ـ فلم يستجيبوا له ..
بعد كل ذلك (أَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَسْرِ بِعِبادِي) أى : سر ببني إسرائيل ليلا إلى جهة البحر وعبر ـ سبحانه ـ عنهم بعبادي. تلطفا بهم بعد أن ظلوا تحت ظلم فرعون مدة طويلة.
وقوله : (إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ) تعليل للأمر بالإسراء. أى : سر بهم ليلا إلى جهة البحر ، لأن فرعون سيتبعكم بجنوده ، وسأقضى قضائي فيه وفي جنده.
والفاء في قوله ـ تعالى ـ : (فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ) هي الفصيحة ، والحاشرين جمع حاشر : والمراد بهم الذين يحشرون الناس ويجمعونهم في مكان معين ، لأمر من الأمور الهامة.
قالوا : جمعوا له جيشا كبيرا يتكون من مئات الآلاف من الجنود. أى : وعلم فرعون بخروج موسى ومعه بنو إسرائيل. فأرسل جنوده ليجمعوا له الناس من المدائن المتعددة في مملكته.
وبعد أن اكتمل عددهم ، أخذ في التهوين من شأن موسى ومن معه فقال : (إِنَّ هؤُلاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ).
والشرذمة : الطائفة القليلة من الناس ـ وخصها بعضهم بالأخساء والسفلة منهم.
ومنه قولهم : هذا ثوب شرذام ، وثياب شراذم ، أى : رديئة متقطعة.
أى : إن هؤلاء الذين خرجوا بدون إذنى وإذنكم ، لطائفة قليلة من الناس الذين هم بمنزلة العبيد والخدم لي ولكم.
(وَإِنَّهُمْ لَنا لَغائِظُونَ) أى : وإنهم بجانب قلتهم ، وخروجهم بدون إذننا ، يأتون بأقوال وأفعال تغيظنا وتغضبنا ، على رأسها اقتراحهم علينا أن نترك ديننا.