(وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حاذِرُونَ) أى : متيقظون لمكايدهم ، ومحتاطون لمكرهم ، وممسكون بزمام الأمور حتى لا يؤثر فينا خداعهم.
يقال : حذر فلان حذرا ـ من باب تعب ـ بمعنى : استعد للأمر وتأهب له بيقظة ..
وكلام فرعون هذا ـ الذي حكاه القرآن عنه ـ يوحى بهلعه وخوفه مما فعله موسى ـ عليهالسلام ـ إلا أنه أراد أن يستر هذا الهلع والجزع بالتهوين من شأنه ومن شأن الذين خرجوا معه وبتحريض قومه على اللحاق بهم وتأديبهم ، وبالظهور بمظهر المستعد هو وقومه لمجابهة الأخطار والتمرد بكل قوة وحزم.
قال صاحب الكشاف : والمعنى : أنهم ـ أى موسى ومن معه ـ لقلتهم لا يبالى بهم ، ولا يتوقع غلبتهم وعلوهم ، ولكنهم يفعلون أفعالا تغيظنا ، ونحن قوم من عادتنا التيقظ والحذر واستعمال الحزم في الأمور ، فإذا خرج علينا خارج سارعنا إلى حسم فساده ، وهذه معاذير اعتذر بها إلى أهل المدائن لئلا يظن به ما يكسر من قهره وسلطانه ، وقرئ : حذرون .. والحذر : اليقظ. والحاذر : الذي يجدد حذره .. (١).
ثم حكى ـ سبحانه ـ بعد ذلك ما اقتضته إرادته ومشيئته في فرعون وقومه فقال : (فَأَخْرَجْناهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ) أى : فأخرجناهم بقدرتنا وإرادتنا من (جَنَّاتٍ).
أى : بساتين كانوا يعيشون فيها (وَعُيُونٍ) عذبة الماء كانوا يشربون منها.
(وَكُنُوزٍ) أى : وأموال كانت تحت أيديهم (وَمَقامٍ كَرِيمٍ) أى : ومساكن حسنة جميلة كانوا يقيمون فيها.
أى : أخرجناهم من كل ذلك بقدرتنا ومشيئتنا ، ليلقوا مصيرهم المحتوم وهو الغرق ، بسبب إصرارهم على كفرهم وطغيانهم.
وقوله : (كَذلِكَ) خبر لمبتدأ محذوف. أى : الأمر كذلك.
وقوله : (وَأَوْرَثْناها بَنِي إِسْرائِيلَ) أى : وأورثنا تلك الجنات والعيون والكنوز والمنازل الحسنة لبنى إسرائيل.
قال الجمل : وقوله : (وَأَوْرَثْناها) أى : الجنات والعيون والكنوز لبنى إسرائيل ، وذلك أن الله ـ عزوجل ـ رد بنى إسرائيل إلى مصر بعد هلاك فرعون وقومه ، فأعطاهم جميع ما كان لفرعون وقومه من الأموال والمساكن الحسنة ..
والظاهر أن هذه الجملة اعتراضية ، وأن قوله ـ بعد ذلك ـ (فَأَتْبَعُوهُمْ) معطوف على
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ٣ ص ٣١٥.