قوله ـ تعالى ـ : (فَأَخْرَجْناهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ) .. لأن إعطاء البساتين وما بعدها لبنى إسرائيل ، كان بعد هلاك فرعون وقومه (١).
ومن العلماء من يرى أن بنى إسرائيل لم يعودوا لمصر بعد هلاك فرعون وقومه ، وأن الضمير في قوله ـ تعالى ـ : (وَأَوْرَثْناها) لا يعود إلى الجنات والعيون التي أخرج الله ـ تعالى ـ منها فرعون وقومه. فيقول : ولا يعرف أن بنى إسرائيل عادوا إلى مصر بعد خروجهم إلى الأرض المقدسة ، وورثوا ملك مصر وكنوز فرعون ومقامه ، لذلك يقول المفسرون إنهم ورثوا مثل ما كان لفرعون وملئه. فهي وراثة لنوع ما كانوا فيه من جنات وعيون وكنوز ومقام كريم» (٢).
وقيل : المراد بالوراثة هنا : وراثة ما استعاره بنو إسرائيل من حلى آل فرعون عند خروجهم من مصر مع موسى ـ عليهالسلام ـ.
ويبدو لنا أنه لا مانع من عودة الضمير في قوله ـ تعالى ـ : (وَأَوْرَثْناها) إلى الجنات والعيون والكنوز التي أخرج الله ـ تعالى ـ منها فرعون وقومه ، بأن عاد موسى ومن معه إلى مصر ـ لفترة معينة ـ بعد هلاك فرعون وملئه ، ثم خرجوا منها بعد ذلك مواصلين سيرهم إلى الأرض المقدسة ، التي أمرهم موسى ـ عليهالسلام ـ بدخولها.
ولعل مما يؤيد ما نرجحه قوله ـ تعالى ـ : (وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشارِقَ الْأَرْضِ وَمَغارِبَهَا الَّتِي بارَكْنا فِيها ، وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنى عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ بِما صَبَرُوا وَدَمَّرْنا ما كانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَما كانُوا يَعْرِشُونَ) (٣).
وقوله ـ سبحانه ـ : (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ ، وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ ، وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما مِنْهُمْ ما كانُوا يَحْذَرُونَ) (٤).
ثم بين ـ سبحانه ـ بعد ذلك ما حدث من فرعون وقومه ، وما قاله بنو إسرائيل عند ما شاهدوهم ، فقال ـ تعالى ـ (فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ).
أى : أخرجنا فرعون وقومه من أموالهم ومساكنهم .. فساروا مسرعين خلف موسى ومن معه ، (فَأَتْبَعُوهُمْ) أى : فلحقوا بهم (مُشْرِقِينَ) أى : في وقت شروق الشمس يقال :
__________________
(١) حاشية الجمل على الجلالين ج ٣ ص ٢٨٠.
(٢) في ظلال القرآن ج ١٩ ص ٢١٢.
(٣) سورة الأعراف آية ١٣٧.
(٤) سورة القصص الآيتان ٥ ، ٦.