وبعد أن أثنى إبراهيم ـ عليهالسلام ـ على ربه بهذا الثناء الجميل ، أتبع ذلك بتلك الدعوات الخاشعات فقال : (رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً) أى : علما واسعا مصحوبا بعمل نافع.
(وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ) من عبادك الذين رضيت عنهم ـ ورضوا عنك ، بحيث ترافقنى بهم في جنتك.
(وَاجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ) أى : واجعل لي ذكرا حسنا ، وسمعة طيبة ، وأثرا كريما في الأمم الأخرى التي ستأتى من بعدي.
وقد أجاب ـ سبحانه ـ له هذه الدعوة ، فجعل أثره خالدا ، وجعل من ذريته الأنبياء والصالحين ، وعلى رأسهم سيدنا محمد صلىاللهعليهوسلم.
(وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ) أى : واجعلنى في الآخرة عند ما ألقاك ـ يا ربي ـ للحساب ، من عبادك الذين أكرمتهم بدخول جنتك وبوراثتها فضلا منك وكرما.
(وَاغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كانَ مِنَ الضَّالِّينَ) عن طريق الحق ، فإنى قد وعدته بأن استغفر له عندك ـ يا إلهى ـ.
قال ابن كثير : وهذا مما رجع عنه إبراهيم ـ عليهالسلام ـ كما قال ـ تعالى ـ : (وَما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَها إِيَّاهُ ، فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ ، إِنَّ إِبْراهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ) (١).
وقد قطع ـ تعالى ـ الإلحاق في استغفاره لأبيه ، فقال : (قَدْ كانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْراهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قالُوا لِقَوْمِهِمْ : إِنَّا بُرَآؤُا مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ، كَفَرْنا بِكُمْ ، وَبَدا بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ الْعَداوَةُ وَالْبَغْضاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللهِ وَحْدَهُ ، إِلَّا قَوْلَ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ : لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَما أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللهِ مِنْ شَيْءٍ ..). (٢)
(وَلا تُخْزِنِي) أى : ولا تفضحني (يَوْمَ يُبْعَثُونَ) أى : يوم تبعث عبادك في الآخرة للحساب ، بل استرني واجبرني وتجاوز عن تقصيرى.
(يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ وَلا بَنُونَ) من أحد لديك.
(إِلَّا مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) أى : واسترني ـ يا إلهى ـ ولا تفضحني يوم القيامة ، يوم لا ينتفع الناس بشيء من أموالهم ولا من أولادهم ، ولكنهم ينتفعون بإخلاص قلوبهم
__________________
(١) سورة التوبة الآية ١١٤.
(٢) سورة الممتحنة الآية ٤.