الشافعى ـ رحمهالله ـ : أن رجلا واجهه بشيء ، فقال : لو كنت بحيث أنت ، لاحتجت إلى الأدب. وسمع رجل ناسا يتحدثون في الحجر فقال : ما هو بيتي ولا بيتكم .. (١).
ثم حكى القرآن الكريم ، ما وصف به إبراهيم خالقه من صفات كريمة تليق بجلاله ـ سبحانه ـ فقال : (الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ) أى : أخلص عبادتي لرب العالمين ، الذي أوجدنى بقدرته ، والذي يهديني وحده إلى ما يصلح شأنى في دنياى وفي آخرتي.
قال الجمل وقوله : (الَّذِي خَلَقَنِي) يجوز فيه أوجه : النصب على النعت لرب العالمين أو البدل أو عطف البيان .. أو الرفع على الابتداء. وقوله (فَهُوَ يَهْدِينِ) جملة اسمية في محل رفع خبر له (٢).
وقوله : (وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ) معطوف على ما قبله. أى : وهو ـ سبحانه ـ وحده الذي يطعمنى ويسقيني من فضله ، ولو شاء لأمسك عنى ذلك.
وأضاف المرض إلى نفسه في قوله (وَإِذا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ) وإن كان الكل من الله ـ تعالى ـ تأدبا مع خالقه ـ عزوجل ـ وشكرا له ـ سبحانه ـ على نعمة الخلق والهداية. والإطعام والإسقاء والشفاء ..
والمراد بالإحياء في قوله : (وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ) إعادة الحياة إلى الميت يوم القيامة أى : ومن صفات رب العالمين الذي أخلص له العبادة ، أنه ـ سبحانه ـ الذي بقدرته وحده أن يميتني عند حضور أجلى ، ثم يعيدني إلى الحياة مرة أخرى يوم البعث والحساب.
وجاء العطف ب (ثُمَ) في قوله (ثُمَّ يُحْيِينِ) لاتساع الأمر بين الإماتة في الدنيا والإحياء في الآخرة.
ثم ختم إبراهيم هذه الصفات الكريمة بقوله : (وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ) أى : وهو وحده الذي أطمع أن يغفر لي ذنوبي يوم ألقاه لأنه لا يقدر على ذلك أحد سواه ـ عزوجل ـ.
وفي هذه الآية أسمى درجات الأدب من إبراهيم مع ربه ـ سبحانه ـ ، لأنه يوجه طمعه في المغفرة إليه وحده ، ويستعظم ـ عليهالسلام ـ ما صدر منه من أمور قد تكون خلاف الأولى ، ويعتبرها خطايا ، هضما لنفسه ، وتعليما للأمة أن تجتنب المعاصي ، وأن تكون منها على حذر وأن تفوض رجاءها إلى الله ـ تعالى ـ وحده.
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ٣ ص ٣١٨.
(٢) حاشية الجمل على الجلالين ج ٣ ص ٢٨٢.