فَلَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (١٠٢) إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (١٠٣) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ)(١٠٤)
وقوله ـ سبحانه ـ : (وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ ..). من الإزلاف بمعنى القرب والدنو.
أى : وقربت الجنة يوم القيامة للمتقين ، الذين صانوا أنفسهم عن كل ما لا يرضاه الله ـ تعالى ـ ، وصارت بحيث يشاهدونها ويتلذذون برؤيتها.
(وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغاوِينَ) أى : أما الغاوون الذين استحبوا العمى على الهدى ، وآثروا الغواية على الهداية ، فقد برزت الجحيم لهم بأهوالها وسعيرها ثم قيل لهؤلاء الكافرين على سبيل التقريع والتأنيب : (أَيْنَ ما كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) أى : أين الآلهة التي كنتم تعبدونها في الدنيا من دون الله ـ تعالى ـ وتزعمون أنها شفعاؤكم عنده؟!
(هَلْ يَنْصُرُونَكُمْ) الآن من هذا العذاب المعد لكم (أَوْ يَنْتَصِرُونَ) هم من العذاب الذي سيحل بهم معكم؟.
كلا ثم كلا ، إنكم وهم حصب جهنم ، وستدخلونها جميعا خاسئين.
وليس المقصود بالسؤال الاستفهام ، وإنما المقصود به التقريع والتوبيخ ، ولذا لا يحتاج إلى جواب.
ثم ذكر ـ سبحانه ـ ما حل بهؤلاء الأشقياء من عذاب في أعقاب هذا التأنيب فقال : (فَكُبْكِبُوا فِيها هُمْ وَالْغاوُونَ. وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ).
والكبكبة : تكرير الكب ، وهو الإلقاء على الوجه مرة بعد أخرى ، وضمير الجمع للآلهة التي عبدها الكافرون من دون الله ـ تعالى ـ : وجيء بضمير العقلاء على سبيل التهكم بهم ، أى : فألقى المعبودون والعابدون في جهنم ، ومعهم جنود إبليس كلهم سواء أكانوا من الشياطين أم من أتباعه من الجن والإنس.
وفي التعبير بكبكبوا تصوير صادق مؤثر لحالة هؤلاء الضالين ، وهم يتساقطون ـ والعياذ بالله ـ في جهنم ، بلا رحمة ، ولا عناية ، ولا نظام ، بل بعضهم فوق بعض وقد تناثرت أشلاؤهم ..
ثم بين ـ سبحانه ـ ما قاله الغاوون لآلهتهم فقال : (قالُوا وَهُمْ فِيها يَخْتَصِمُونَ. تَاللهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ. إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعالَمِينَ).