والأيكة : منطقة مليئة بالأشجار ، كانت ـ في الغالب ـ بين الحجاز وفلسطين حول خليج العقبة ، ولعلها المنطقة التي تسمى بمعان.
وشعيب ينتهى نسبه إلى إبراهيم ـ عليهماالسلام ـ وكان رسول الله صلىاللهعليهوسلم إذا ذكر شعيبا قال : «ذلك خطيب الأنبياء» لحسن مراجعته لقومه ، وقوة حجته.
وكان قومه أهل كفر وبخس للمكيال والميزان ، وقطع الطريق ، فدعاهم إلى وحدانية الله ـ تعالى ـ وإلى مكارم الأخلاق.
قال ابن كثير : «هؤلاء ـ أعنى أصحاب الأيكة ـ هم أهل مدين على الصحيح ، وكان نبي الله شعيب من أنفسهم وإنما لم يقل ها هنا : أخوهم شعيب ، لأنهم نسبوا إلى عبادة الأيكة وهي شجرة. وقيل شجر ملتف كالغيضة. كانوا يعبدونها ، فلهذا لما قال : كذب أصحاب الأيكة المرسلين ، لم يقل : إذ قال لهم أخوهم شعيب ، وإنما قال : (إِذْ قالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ) فقطع نسبة الأخوة بينهم ، للمعنى الذي نسبوا إليه ، وإن كان أخاهم نسبا ، ومن الناس من لم يتفطن لهذه النكتة ، فظن أن أصحاب الأيكة غير أهل مدين ، فزعم أن شعيبا ـ عليهالسلام ـ بعثه الله إلى أمتين ... والصحيح أنهم أمة واحدة وصفوا في كل مقام بشيء ، ولهذا وعظ هؤلاء وأمرهم بوفاء المكيال والميزان ، كما في قصة مدين سواء بسواء ..» (١).
وقد افتتح شعيب ـ عليهالسلام ـ دعوته لقومه. بأمرهم بتقوى الله ـ تعالى ـ وببيان أنه أمين في تبليغهم ما أمره الله بتبليغه إليهم ، وبمصارحتهم بأنه لا يسألهم أجرا على دعوته إياهم إلى ما يسعدهم.
ثم نهاهم عن أفحش الرذائل التي كانت منتشرة فيهم فقال لهم : (أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ. وَزِنُوا بِالْقِسْطاسِ الْمُسْتَقِيمِ. وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ ، وَاتَّقُوا الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالْجِبِلَّةَ الْأَوَّلِينَ ..).
والجبلة : الجماعة الكثيرة من الناس الذين كانوا من قبل قوم شعيب. والمقصود بهم أولئك الذين كانوا ذوى قوة كأنها الجبال في صلابتها ، كقوم هود وأمثالهم ممن اغتروا بقوتهم ، فأخذهم الله أخذ عزيز مقتدر.
قال القرطبي : وقوله : (وَاتَّقُوا الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالْجِبِلَّةَ الْأَوَّلِينَ).
الجبلة : هي الخليقة. ويقال : جبل فلان على كذا ، أى : خلق ، فالخلق جبلة وجبلة ـ
__________________
(١) تفسير ابن كثير ج ٦ ص ١٦٨.