بكسر الجيم والباء وضمهما ـ والجبلة : هو الجمع ذو العدد الكثير من الناس ، ومنه قوله ـ تعالى ـ : (وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًّا كَثِيراً ..). (١).
والمعنى : قال شعيب ـ عليهالسلام ـ لقومه ناصحا ومرشدا : يا قوم. أوفوا الكيل أى : أتموه (وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ) الذين يأكلون حقوق غيرهم عن طريق التطفيف في الكيل والميزان.
ثم أكد نصحه هذا بنصح آخر فقال : (وَزِنُوا) للناس الذين تتعاملون معهم (بِالْقِسْطاسِ الْمُسْتَقِيمِ) أى : بالعدل الذي لا جور معه ولا ظلم.
ثم أتبع هذا الأمر بالنهى فقال : (وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ) أى : ولا تنقصوا للناس شيئا من حقوقهم ، أيا كان مقدار هذا الشيء.
(وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ) والعثو : أشد أنواع الفساد. يقال : عثا فلان في الأرض يعثو ، إذا اشتد فساده.
أى : ولا تنتشروا في الأرض حالة كونكم مفسدين فيها بالقتل وقطع الطريق ، وتهديد الآمنين.
فقوله (مُفْسِدِينَ) حال مؤكدة لضمير الجمع في قوله (تَعْثَوْا).
ثم ذكرهم بأحوال السابقين ، وبأن الله ـ تعالى ـ هو الذي خلقهم وخلق أولئك السابقين فقال : (وَاتَّقُوا الَّذِي خَلَقَكُمْ) من ماء مهين. وخلق ـ أيضا ـ الأقوام السابقين ، الذين كانوا أشد منكم قوة وأكثر جمعا. والذين أهلكهم ـ سبحانه ـ بقدرته بسبب إصرارهم على كفرهم وبغيهم.
واستمع قوم شعيب إلى تلك النصائح الحكيمة. ولكن لم يتأثروا بها ، بل اتهموا نبيهم في عقله وفي صدقه ، وتحدوه في رسالته فقالوا ـ كما حكى القرآن عنهم ـ : (إِنَّما أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ. وَما أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا. وَإِنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الْكاذِبِينَ. فَأَسْقِطْ عَلَيْنا كِسَفاً مِنَ السَّماءِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ).
قالوا له بسفاهة وغرور : إنما أنت يا شعيب من الذين أصيبوا بسحر عظيم جعلهم لا يعقلون ما يقولون ، أو إنما أنت من الناس الذين يأكلون الطعام ، ويشربون الشراب ، ولا مزية لك برسالة أو بنبوة علينا ، فأنت بشر مثلنا ، وما نظنك إلا من الكاذبين فيما تدعيه ، فإن كنت صادقا في دعوى الرسالة فأسقط علينا (كِسَفاً مِنَ السَّماءِ) أى : قطعا من العذاب
__________________
(١) تفسير القرطبي ج ١٣ ص ١٣٦.