وقوله ـ تعالى ـ : (وَلا تُخاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ) نهى منه ـ سبحانه ـ لنوح ـ عليهالسلام ـ عن الشفاعة لهؤلاء الكافرين ، أو عن طلب تأخير العذاب المهلك لهم.
أى : اترك يا نوح هؤلاء الظالمين ، ولا تكلمني في شأنهم ، كأن تطلب الشفاعة لهم أو تأخير العذاب عنهم ، فإنهم مقضي عليهم بالإغراق لا محالة. ولا مبدل لحكمي أو إرادتى.
ويبدو ـ والله أعلم ـ أن هذه الجملة الكريمة ، كانت نهيا من الله ـ تعالى ـ لنوح عن الشفاعة في ابنه الذي غرق مع المغرقين ، والذي حكى القرآن في سورة هود أن نوحا قد قال في شأنه : (رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي ، وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ ، وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحاكِمِينَ).
ثم أرشد الله ـ تعالى ـ نبيه نوحا إلى ما يقوله بعد أن يستقر في السفينة فقال ـ سبحانه ـ : (فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ) من أهلك وأتباعك المؤمنين (عَلَى الْفُلْكِ).
أى : السفينة التي علمناك عن طريق وحينا كيفية صنعها بإحكام وإتقان (فَقُلِ) يا نوح على سبيل الشكر لنا ، والتقدير لذاتنا (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانا) بفضله وكرمه (مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) الذين استحبوا العمى على الهدى ، وآثروا الضلالة على الهداية ، وتطاولوا على نبيهم الذي جاء لسعادتهم.
(وَقُلْ) ـ أيضا ـ يا نوح (رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلاً مُبارَكاً) أى : أنزلنى إنزالا ، أو مكان إنزال مباركا ـ أى مليئا بالخيرات والبركات ، خاليا مما حل بالظالمين من إغراق وإهلاك. (وَأَنْتَ) يا إلهى (خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ) بفضلك وكرمك في المكان الطيب المبارك.
ثم عقب ـ سبحانه ـ على ما اشتملت عليه قصة نوح من حكم وآداب بقوله : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ).
أى : إن في ذلك الذي ذكرناه لك ـ أيها الرسول الكريم ـ عن نوح وقومه (لَآياتٍ) بينات ، ودلالات واضحات ، على أن هذا القرآن من عندنا لا من عند غيرنا ، وعلى أن العاقبة للمؤمنين ، وسوء المنقلب للكافرين.
و «إن» في قوله (وَإِنْ كُنَّا) هي المخففة من الثقيلة ، واللام في قوله (لَمُبْتَلِينَ) هي الفارقة بينها وبين إن النافية ، والجملة حالية ، والابتلاء : الاختبار والامتحان ...
أى : إن في ذلك الذي ذكرناه عن نوح وقومه لآيات واضحات على وحدانيتنا وقدرتنا ، والحال والشأن أن من سنتنا أن نبتلى الناس بالنعم وبالنقم ، وبالخير وبالشر. ليتبين من يعتبر ويتعظ ، وليتميز الخبيث من الطيب ، وليهلك من هلك عن بينة ، ويحيا من حي عن بينة ، وإن