وللمفسرين في المراد بلفظ (التَّنُّورُ) أقوال منها : أن المراد به الشيء الذي يخبز فيه الخبز ، وهو ما يسمى بالموقد أو الفرن.
ومنها أن المراد به وجه الأرض. أو موضع اجتماع الماء في السفينة ، أو طلوع الفجر .. وقد رجح الإمام ابن جرير القول الأول فقال : وأولى الأقوال بالصواب قول من قال : وهو التنور الذي يخبز فيه ، لأن هذا هو المعروف من كلام العرب .. (١).
ويبدو أن فوران التنور كان علامة لنوح على أن موعد إهلاك الكافرين من قومه قد اقترب.
أى : فإذا اقترب موعد إهلاك قومك الظالمين يا نوح ، ومن علامة ذلك أن ينبع الماء من التنور ويفور فورانا شديدا (فَاسْلُكْ فِيها) فأدخل في السفينة (مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ) ولفظ (زَوْجَيْنِ) تثنية زوج. والمراد به هنا : الذكر والأنثى من كل نوع.
وقراءة الجمهور : (مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ) بدون تنوين للفظ كل ، وبإضافته إلى زوجين ....
وقرأ حفص (مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ) تنوين كل ، وهو تنوين عوض عن مضاف إليه. والتقدير : فأدخل في السفينة من كل نوع من أنواع المخلوقات التي أنت في حاجة إليها ذكرا وأنثى ، ويكون لفظ (زَوْجَيْنِ) مفعولا لقوله (فَاسْلُكْ) ولفظ اثنين : صفة له.
والمراد بأهله في قوله ـ تعالى ـ (وَأَهْلَكَ) : أهل بيته كزوجته وأولاده المؤمنين ، ويدخل فيهم كل من آمن به ـ عليهالسلام ـ سواء أكان من ذوى قرابته أم من غيرهم ، بدليل قوله ـ تعالى ـ في سورة هود : (قُلْنَا احْمِلْ فِيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ ، وَما آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ).
وجملة : (إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ) استثناء من الأهل. والمراد بمن سبق عليه القول منهم : من بقي على كفره ولم يؤمن برسالة نوح ـ عليهالسلام ـ كزوجته وابنه كنعان.
أى : أدخل في السفينة ذكرا وأنثى من أنواع المخلوقات ، وأدخل فيها ـ أيضا ـ المؤمنين من أهلك ومن غيرهم ، إلا الذين سبق منا القول بهلاكهم بسبب إصرارهم على الكفر. فلا تدخلهم في السفينة ، بل اتركهم خارجها ليغرقوا مع المغرقين.
قال الآلوسى : وجيء بعلى في قوله : (إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ) لكون السابق ضارا ، كما جيء باللام في قوله : (إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى) لكون السابق نافعا (٢).
__________________
(١) تفسير ابن جرير ج ١٢ ص ٢٥.
(٢) تفسير الآلوسى ج ١٨ ص ٢٧.