منه النصر عليهم. فقال : كما حكى القرآن عنه : (رَبِّ انْصُرْنِي بِما كَذَّبُونِ).
أى : قال نوح في مناجاته لربه : يا رب انصرني على هؤلاء القوم الكافرين بسبب تكذيبهم لي وتطاولهم على. وسخريتهم منى ، وإصرارهم على عبادة غيرك.
وقد أجاب الله ـ تعالى ـ دعاء عبده نوح فقال : (فَأَوْحَيْنا إِلَيْهِ) أى : فأوحينا إليه في أعقاب دعائه وتضرعه.
(أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا وَوَحْيِنا) أى : أوحينا إليه أن ابتدئ يا نوح في صنع السفينة وأنت تحت رعايتنا وحفظنا ، وسنرسل إليك وحينا ليرشدك إلى ما أنت في حاجة إليه من إتقان صنع السفينة ، ومن غير ذلك من شئون.
وفي التعبير بقوله ـ سبحانه ـ (أَنِ اصْنَعِ) إشارة إلى أن نوحا ـ عليهالسلام ـ قد باشر بنفسه صنع السفينة التي هي وسيلة النجاة له وللمؤمنين معه.
وفي قوله ـ تعالى ـ : (بِأَعْيُنِنا وَوَحْيِنا) إشارة إلى أن نوحا بجانب مباشرته للصنع بنفسه ، كان مزودا من الله ـ تعالى ـ بالعناية والرعاية وبحسن التوجيه والإرشاد عن طريق الوحى الأمين.
وذلك لأن سنة الله ـ تعالى ـ قد اقتضت أن لا يضيع عمل عباده المخلصين ، الذين يبذلون أقصى جهدهم في الوصول إلى غاياتهم الشريفة.
والباء في قوله (بِأَعْيُنِنا) للملابسة ، والجار والمجرور في موضع الحال من ضمير «اصنع».
والفاء في قوله ـ سبحانه ـ (فَإِذا جاءَ أَمْرُنا) لترتيب مضمون ما بعدها على إتمام صنع السفينة.
والمراد بالأمر هنا : العذاب الذي أعده الله ـ تعالى ـ لهؤلاء الظالمين من قوم نوح ـ عليهالسلام ـ. ويشهد لذلك قوله ـ سبحانه ـ في آية أخرى : (لا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللهِ) أى : من عذابه (إِلَّا مَنْ رَحِمَ).
والمراد بمجيء هذا الأمر : اقتراب وقته ، ودنو ساعته ، وظهور علاماته وقوله ـ تعالى ـ : (وَفارَ التَّنُّورُ) بيان وتفسير لمجيء هذا الأمر ، وحلول وقت إهلاكهم.
وقوله : (فارَ) من الفوران. بمعنى شدة الغليان للماء وغيره. يقال للماء فار إذا اشتد غليانه. ويقال للنار فارت إذا عظم هيجانها. ومنه قوله ـ تعالى ـ (إِذا أُلْقُوا فِيها سَمِعُوا لَها شَهِيقاً وَهِيَ تَفُورُ).