الإبل فيجعلها تشرد عن صاحبها بدون وقوف في مكان معين ، ومنه قوله ـ تعالى ـ : (فَشارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ) أى : الجمال العطاش الشاردة.
والمعنى : ألم تر ـ أيها العاقل ـ أن هؤلاء الشعراء في كل فن من فنون الكذب في الأقوال يخوضون ، وفي كل فج من فجاج الباطل والعبث والفحش يتكلمون ، وأنهم فوق ذلك يقولون ما لا يفعلون ، فهم يحضون غيرهم على الشيء ولا يفعلونه ، وهم يقولون فعلنا كذا وفعلنا كذا ـ على سبيل التباهي والتفاخر ـ مع أنهم لم يفعلوا.
قال صاحب الكشاف : ذكر الوادي والهيوم : فيه تمثيل لذهابهم في كل شعب من القول واعتسافهم وقلة مبالاتهم بالغلو في المنطق ومجاوزة حد القصد فيه ، حتى يفضلوا أجبن الناس على عنترة وأشحهم على حاتم ، وأن يبهتوا البريء ، ويفسقوا التقى (١).
وقوله ـ تعالى ـ : (إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَذَكَرُوا اللهَ كَثِيراً وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا ..). استثناء من الشعراء المذمومين الذين يتبعهم الغاوون ، والذين هم في كل واد يهيمون.
أى : إلا الشعراء الذين آمنوا بالله ـ تعالى ـ وعملوا الأعمال الصالحات وذكروا الله كثيرا بحيث لم يشغلهم شعرهم عن طاعة الله ، وانتصروا من بعد ما ظلموا من أعدائهم الكافرين ، بأن ردوا على أباطيلهم ، ودافعوا عن الدين الحق.
إلا هؤلاء ، فإنهم لا يكونون من الشعراء المذمومين ، بل هم من الشعراء الممدوحين.
قال ابن كثير : لما نزل قوله ـ تعالى ـ : (وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ) جاء حسان بن ثابت ، وعبد الله بن رواحة ، وكعب بن مالك إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم وهم يبكون وقالوا. قد علم الله ـ تعالى ـ أنا شعراء ، فتلا عليهم النبي صلىاللهعليهوسلم : «(إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) قال : أنتم. (وَذَكَرُوا اللهَ كَثِيراً) قال : أنتم (وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا) قال : أنتم» (٢).
فالشعراء : منهم المذمومون وهم الذين في كل واد يهيمون ويقولون ما لا يفعلون ..
ومنهم الممدوحون وهم الذين آمنوا وعملوا الصالحات ، وذكروا الله كثيرا وانتصروا من بعد ما ظلموا.
والشعر في ذاته كلام : حسنه حسن ، وقبيحه قبيح ، فخذ الحسن ، واترك القبيح.
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ٣ ص ٣٤٤.
(٢) تفسير ابن كثير ج ٦ ص ١٨٦.