شك في أنه من عند الله ـ تعالى ـ فهاتوا مثله ، أو هاتوا عشر سور من مثله ، أو هاتوا سورة واحدة من مثله.
فعجزوا وانقلبوا خاسرين ، وثبت أن هذا القرآن من عند الله ـ عزوجل ـ واسم الإشارة (تِلْكَ) يعود إلى الآيات القرآنية التي تضمنتها هذه السورة الكريمة. أو إلى جميع آيات القرآن التي نزلت قبل ذلك.
وهو ـ أى لفظ (تِلْكَ) ـ مبتدأ وخبره قوله ـ سبحانه ـ (آياتُ الْقُرْآنِ). أى : تلك الآيات الحكيمة التي أنزلناها إليك ـ أيها الرسول الكريم ـ هي آيات القرآن ، الذي أنزلناه إليك لتخرج الناس به من ظلمات الكفر إلى نور الإيمان.
فإضافة الآيات إلى القرآن لتعظيم شأنها ، وسمو منزلتها.
وقوله ـ تعالى ـ : (وَكِتابٍ مُبِينٍ) معطوف على القرآن من باب عطف إحدى الصفتين على الأخرى ، كقولهم هذا فعل فلان السخي والجواد الكريم.
قال الآلوسى : «والمبين : إما من أبان المتعدى ، أى : مظهر ما في تضاعيفه من الحكم والأحكام وأحوال القرون الأولى ... وإما من أبان اللازم ، بمعنى بان. أى : ظاهر الإعجاز ... وهو على الاحتمالين ، صفة مادحة لكتاب ، مؤكدة لما أفاده التنوين من الفخامة ...» (١).
وقوله ـ تعالى ـ : (هُدىً وَبُشْرى لِلْمُؤْمِنِينَ) في حيز النصب على الحالية من قوله (آياتُ) ولفظ (هُدىً) مصدر هداه هدى وهداية ، ومعناه : الدلالة الموصلة إلى البغية.
و (بُشْرى) : الخبر السار. فهي أخص من مجرد الخبر ، وسمى الخبر السار بشرى ، لأن أثره يظهر على البشرة ، وهي ظاهر جلد الإنسان.
أى : أنزلنا إليك ـ أيها الرسول الكريم ـ هذه الآيات القرآنية ، حالة كونها هداية للمؤمنين إلى طريق السعادة والفلاح ، وبشارة لهم بما يشرح صدورهم ، ويدخل الفرح والسرور على نفوسهم.
وخص ـ سبحانه ـ المؤمنين بذلك ، لأنهم المنتفعون بهذه الهداية والبشارة ، دون سواهم من الكافرين والمنافقين.
قال ـ تعالى ـ : (قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَشِفاءٌ ، وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى ، أُولئِكَ يُنادَوْنَ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ) (٢).
__________________
(١) تفسير الآلوسى ج ١٩ ص ١٥٥.
(٢) سورة فصلت الآية ٤٤.