وقال ـ سبحانه ـ : (وَإِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زادَتْهُ هذِهِ إِيماناً. فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزادَتْهُمْ إِيماناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ) (١).
ثم وصف ـ سبحانه ـ هؤلاء المؤمنين بثلاث صفات جامعة بين خيرى الدنيا والآخرة فقال : (الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ) أى : يؤدونهما في أوقاتها المقدرة لها ، مستوفية لواجباتها وسننها وآدابها وخشوعها.
(وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ) التي كلفهم الله ـ تعالى ـ بإيتائها ، بإخلاص وطيب نفس.
(وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ) والآخرة تأنيث الآخر. والمراد بها الدار الآخرة ، وسميت بذلك لأنها تأتى بعد الدنيا التي هي الدار الأولى.
وقوله : (يُوقِنُونَ) من الإيقان. وهو الاعتقاد الجازم المطابق للواقع ، بحيث لا يطرأ عليه شك ، أو تحوم حوله شبهة. يقال : يقن الماء ، إذا سكن وظهر ما تحته.
ويقال : يقنت من هذا الشيء يقنا ، وأيقنت ، وتيقنت ، واستيقنت ، اعتقدت اعتقادا جازما من وجوده أو صحته.
أى : وهم بالدار الآخرة وما فيها من حساب وعقاب ، يوقنون إيقانا قطعيّا ، لا أثر فيه للادعاءات الكاذبة ، والأوهام الباطلة.
قال الجمل : ولما كان إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة ، مما يتكرر ويتجدد في أوقاتهما ، أتى بهما فعلين ، ولما كان الإيقان بالآخرة أمرا ثابتا مطلوبا دوامه ، أتى به جملة اسمية.
وجعل خبرها مضارعا ، للدلالة على أن إيقانهم يستمر على سبيل التجدد» (٢).
وبعد أن مدح ـ سبحانه ـ المؤمنين بتلك الصفات الطيبة ، أتبع ذلك ببيان ما عليه غيرهم من ضلال وحيرة فقال : (إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمالَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ).
وقوله : (زَيَّنَّا) من التزيين ، بمعنى التحسين والتجميل.
و (يَعْمَهُونَ) من العمه بمعنى التحير والتردد. يقال : عمه فلان ـ كفرح ومنع ـ إذا تحير وتردد في أمره.
والمعنى : إن الذين لا يؤمنون بالدار الآخرة وما فيها من ثواب وعقاب ، (زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمالَهُمْ) أى : حسناها لهم ، وحببناها إليهم ، بسبب استحبابهم العمى على الهدى ، والغي
__________________
(١) سورة التوبة الآية ١٢٤.
(٢) حاشية الجمل على الجلالين ج ٣ ص ٢٩٨.