كما أن قصة هود مع قومه ، كثيرا ما تأتى بعد قصة نوح مع قومه.
وقيل : هم قوم صالح ـ عليهالسلام ـ.
وعلى أية حال فإن سورة «المؤمنون» في عرضها لقصص الأنبياء تحرص على بيان أن استقبال المكذبين لأنبيائهم كان متشابها في القبح والتكذيب.
وقال ـ سبحانه ـ (قَرْناً آخَرِينَ) للإشعار بأنهم كانوا يعيشون في زمان واحد مع نبيهم ، وأنهم كانوا معاصرين له ، ومشاهدين لأحواله قبل البعثة وبعدها.
ثم بين ـ سبحانه ـ أنه امتن عليهم بإرسال رسول فيهم فقال : (فَأَرْسَلْنا فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ أَنِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ ..).
أى : كان من مظاهر رحمتنا ومنتنا على هؤلاء القوم الآخرين الذين جاءوا بعد إهلاك قوم نوح ، أن أرسلنا فيهم رسولا منهم نشأ بين أظهرهم وعرفوا حسبه ونسبه ، فقال لهم ما قاله كل نبي لقومه : اعبدوا الله وحده ، فإنكم ليس لكم من إله سواه ، لأنه ـ سبحانه ـ هو الذي أوجدكم في هذه الحياة .. (أَفَلا تَتَّقُونَ) بأسه وعقابه إذا ما عبدتم غيره؟!.
ثم بين ـ سبحانه ـ بعد ذلك ما رد به هؤلاء المشركون الجاحدون على نبيهم فقال : (وَقالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقاءِ الْآخِرَةِ ، وَأَتْرَفْناهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا ، ما هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ ..).
أى : وقال الأغنياء والزعماء من قوم هذا النبي ، الذين كفروا بالحق لما جاءهم ، وكذبوا بالبعث والجزاء الذي يكون في الآخرة ، والذين أبطرتهم النعمة التي أنعمنا عليهم بها في دنياهم ...
قالوا لنبيهم بجفاء وسوء أدب لكي يصرفوا غيرهم عن الإيمان به : ما هذا الذي يدعى النبوة (إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ) وكأنهم يرون ـ لغبائهم وانطماس عقولهم ـ أن الرسول لا يكون من البشر ، أو يرون جواز كونه من البشر ، إلا أنهم قالوا ذلك على سبيل المكر ليصدوا أتباعهم وعامة الناس عن دعوته.
ثم أضافوا إلى هذا القول الباطل ما يؤكده في نفوس الناس فقالوا : (يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ) من طعام ، وغذاء ، (وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ) من ماء وما يشبه الماء.
ثم أضافوا إلى ذلك قولهم (وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ) أيها الناس (بَشَراً مِثْلَكُمْ) في المأكل والمشرب والملبس والعادات .. (أَنَّكُمْ إِذا) بسبب هذه الطاعة (لَخاسِرُونَ) خسارة ليس بعدها خسارة.