للإشعار بأنه عبد من عباد الله المطاعين ، الذين سخر لهم جنودا من الجن والإنس والطير ، ليكونوا في خدمته ، وليستعملهم في وجوه الخير لا في وجوه الشر ، فهو لم يقل ذلك على سبيل التباهي والتعالي ، وإنما قاله على سبيل التحدث بنعمة الله.
واسم الإشارة في قوله ـ تعالى ـ : (إِنَّ هذا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ) يعود إلى ما أعطاه الله ـ تعالى ـ إياه من العلم والملك وغيرهما.
أى : إن هذا الذي أعطانا إياه من العلم والملك ، وكل شيء تدعو إليه الحاجة ، لهو الفضل الواضح ، والإحسان الظاهر منه ـ عزوجل ـ ثم تنتقل السورة الكريمة إلى الحديث عن مظاهر ملك سليمان ـ عليهالسلام ـ فتقول : (وَحُشِرَ لِسُلَيْمانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ).
والحشر : الجمع. يقال : حشر القائد جنده إذا جمعهم لأمر من الأمور التي تهمه.
وقوله : (يُوزَعُونَ) من الوزع بمعنى الكف والمنع. يقال : وزعه عن الظلم وزعا ، إذا كفه عنه.
ومنه قول عثمان بن عفان ـ رضى الله عنه ـ : «إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن».
ومنه قول الشاعر :
ولا يزع النفس اللجوج عن الهوى |
|
من الناس ، إلا وافر العقل كامله |
والمعنى : وجمع لسليمان ـ عليهالسلام ـ عساكره وجنوده من الجن والإنس والطير (فَهُمْ يُوزَعُونَ) أى : فهم محبوسون ومجموعون بنظام وترتيب ، بحيث لا يتجاوز أحدهم مكانه أو منزلته أو وظيفته المسئول عنها.
فالتعبير بقوله (يُوزَعُونَ) يشعر بأن هؤلاء الجنود مع كثرتهم ، لهم من يزعهم عن الفوضى والاضطراب ، إذ الوازع في الحرب ، هو من يدير أمور الجيش ، وينظم صفوفه ، ويرد من شذ من أفراده إلى جادة الصواب.
ولقد ذكر بعض المفسرين هنا أقوالا في عدد جيش سليمان ، رأينا أن نضرب عنها صفحا ، لضعفها ويكفينا أن نعلم أن الله ـ تعالى ـ قد سخر لسليمان جندا من الجن والإنس والطير ، إلا أن عدد هؤلاء الجنود مرد علمه إلى الله ـ تعالى ـ وحده ، وإن كان التعبير القرآنى يشعر بأن هؤلاء الجند المجموعين ، يمثلون موكبا عظيما ، وحشدا كبيرا.
ثم حكى ـ سبحانه ـ ما قاتله نملة عند ما رأت هذا الجيش العظيم المنظم ، فقال