وأهله ، وأن نعمة العلم من أجل النعم ، وأجزل القسم ، وأن من أوتيه فقد أوتى فضلا على كثير من عباد الله ..» (١).
وفي التعبير بقوله ـ تعالى ـ (فَضَّلَنا عَلى كَثِيرٍ ..). دلالة على حسن أدبهما ، وتواضعهما ، حيث لم يقولا فضلنا على جميع عباده.
والمراد بالوراثة في قوله ـ تعالى ـ : (وَوَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ ..). وراثة العلم والنبوة والملك. أى : وورث سليمان داود في نبوته وعلمه وملكه.
قال ابن كثير : «وقوله : (وَوَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ). أى : في الملك والنبوة وليس المراد وراثة المال ، إذ لو كان كذلك ، لم يخص سليمان وحده من بين سائر أولاد داود .. ولكن المراد بذلك وراثة الملك والنبوة فإن الأنبياء لا تورث أموالهم ، أخبر بذلك رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة» (٢).
ثم حكى ـ سبحانه ـ ما قاله سليمان على سبيل التحدث بنعم الله عليه ، فقال ـ تعالى ـ : (وَقالَ يا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ ..).
أى : وقال سليمان ـ عليهالسلام ـ على سبيل الشكر لله ـ تعالى ـ : يا أيها الناس : علمنا الله ـ تعالى ـ بفضله وإحسانه فهم ما يريده كل طائر إذا صوت أو صاح ، وأعطانا ـ سبحانه ـ من كل شيء نحتاجه وننتفع به في ديننا أو دنيانا.
وقدم نعمة تعليمه منطق الطير ، لأنها نعمة خاصة لا يشاركه فيها غيره ، وتعتبر من معجزاته ـ عليهالسلام ـ.
وقيل : إنه علم منطق جميع الحيوانات. وإنما ذكر الطير لأنه أظهر في النعمة ، ولأن الطير كان جندا من جنده ، يسير معه لتظليله من الشمس.
قال الآلوسى : «والجملتان ـ علمنا منطق الطير ، وأوتينا من كل شيء ـ كالشرح للميراث.
وعن مقاتل : أنه أريد بما أوتيه النبوة والملك وتسخير الجن والإنس والشياطين والريح.
وعن ابن عباس : هو ما يريده من أمر الدنيا والآخرة» (٣).
وعبر عن نعم الله ـ تعالى ـ عليه بنون العظمة فقال (أُوتِينا) ولم يقل أوتيت ،
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ٣ ص ٣٥٣.
(٢) تفسير ابن كثير ج ٦ ص ١٩٢.
(٣) تفسير الآلوسى ج ١٩ ص ١٦٤.