والغرور ، وبإسلام وجوههم لله وحده : (أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ).
٤ ـ أن سليمان ـ عليهالسلام ـ كان يمثل الحاكم اليقظ المتنبه لأحوال رعيته ، حيث يعرف شئونها الصغيرة والكبيرة ، ويعرف الحاضر من أفرادها والغائب ، حتى ولو كان الغائب طيرا صغيرا ، من بين آلاف الخلائق الذين هم تحت قيادته.
ولقد صور القرآن ما كان عليه سليمان ـ عليهالسلام ـ من يقظة ودراية بأفراد رعيته أبدع تصوير فقال : وتفقد الطير فقال مالي لا أرى الهدهد أم كان من الغائبين.
قال الإمام القرطبي ـ رحمهالله ـ : في هذه الآية دليل على تفقد الإمام أحوال رعيته ، والمحافظة عليهم ، فانظر إلى الهدهد مع صغره ، كيف لم يخف على سليمان حاله ، فكيف بعظام الملك ..
ثم يقول ـ رحمهالله ـ على سبيل التفجع والشكوى عن حال الولاة في عهده : فما ظنك بوال تذهب على يديه البلدان ، وتضيع الرعية ويضيع الرعيان .. ورحم الله القائل :
وهل أفسد الدين إلا الملوك |
|
وأحبار سوء ورهبانها (١) |
٥ ـ أن سليمان ـ عليهالسلام ـ كان بجانب تعهده لشئون رعيته ، يمثل الحاكم الحازم العادل ، الذي يحاسب المهمل ، ويتوعد المقصر ، ويعاقب من يستحق العقاب ، وفي الوقت نفسه يقبل عذر المعتذر متى اعتذر عذرا مشروعا ومقنعا.
انظر إليه وهو يقول ـ كما حكى القرآن عنه ـ عند ما تفقد الهدهد فلم يجده : (لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذاباً شَدِيداً أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطانٍ مُبِينٍ).
إن الجيوش الجرارة التي تحت قيادة سليمان ـ عليهالسلام ـ لا تؤثر فيها غياب هدهد منها .. ولكن سليمان القائد الحازم ، كأنه يريد أن يعلم جنوده ، أن لكل جندي رسالته التي يجب عليه أن يؤديها على الوجه الأكمل سواء أكان هذا الجندي صغيرا أم كبيرا ، وأن من فرط في الأمور الصغيرة ، لا يستبعد منه أن يفرط في الأمور الكبيرة.
٦ ـ أن الجندي الصغير في الأمة التي يظلها العدل والحرية والأمان .. لا يمنعه صغره من أن يرد على الحاكم الكبير ، بشجاعة وقوة ..
انظر إلى الهدهد ـ مع صغره ـ يحكى عنه القرآن ، أنه رد على نبي الله سليمان الذي آتاه الله ملكا لا ينبغي لأحد من بعده بقوله : (أَحَطْتُ بِما لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ ..).
__________________
(١) تفسير القرطبي ج ١٣ ص ١٧٨.