أى : أرسلنا نبينا صالحا إلى قومه ، فكانت المفاجأة أن انقسم قومه إلى قسمين : قسم آمن به ـ وهم الأقلون ـ ، وقسم كفر به ـ وهم الأكثرون.
وهذه الخصومة بين الفريقين ، قد أشار إليها القرآن في قوله ـ تعالى ـ : (قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ ، لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا ، لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ ، أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صالِحاً مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ؟ قالُوا : إِنَّا بِما أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ. قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا بِالَّذِي آمَنْتُمْ بِهِ كافِرُونَ) (١).
وقوله ـ تعالى ـ : (قالَ يا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ ..). بيان لما وجهه صالح إلى الكافرين من قومه ، من نصائح حكيمة ..
أى : قال صالح ـ عليهالسلام ـ للمكذبين لرسالته من قومه بأسلوب رقيق حكيم : يا قوم لما ذا كلما دعوتكم إلى الحق أعرضتم عن دعوتي ، وآثرتم الكفر على الإيمان ، واستعجلتم عقوبة الله ـ تعالى ـ التي حذرتكم منها ، قبل أن تتضرعوا إليه ـ سبحانه ـ بطلب الهداية والرحمة.
وقوله : (لَوْ لا تَسْتَغْفِرُونَ اللهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) حض منه على الإقلاع عما هم فيه من عناد وضلال.
أى : هلا استغفرتم الله ـ تعالى ـ وأخلصتم له العبادة ، واتبعتمونى فيما أدعوكم إليه ، لكي يرحمكم ربكم ويعفو عنكم.
فالمراد بالسيئة : العذاب الذي تعجلوه ، والذي أشار إليه ـ سبحانه ـ في قوله : (فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقالُوا يا صالِحُ ائْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ) (٢).
ثم حكى ـ سبحانه ـ ما رد به هؤلاء المتكبرون على نبيهم فقال ـ تعالى ـ (قالُوا اطَّيَّرْنا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ ..).
وقوله : (اطَّيَّرْنا) أصله تطيرنا ، فأدغمت التاء في الطاء ، وزيدت همزة الوصل ، ليتأتى الابتداء بالكلمة. والتطير : التشاؤم.
قال الآلوسى : وعبر عنه بذلك ، لأنهم كانوا إذا خرجوا مسافرين فيمرون بطائر يزجرونه فإن مر سانحا ـ بأن مر من ميامن الشخص إلى مياسره ـ تيمنوا ، وإن مر بارحا ـ بأن مر
__________________
(١) سورة الأعراف الآيتان ٧٥ ، ٧٦.
(٢) سورة الأعراف الآية ٧٧.