من المياسر إلى الميامن ـ تشاءموا. فلما نسبوا الخير والشر إلى الطائر ، استعير لما كان سببا لهما من قدر الله ـ تعالى ـ وقسمته ـ عزوجل ـ أو من عمل العبد الذي هو سبب الرحمة والنعمة (١).
أى قال المكذبون من قوم صالح في الرد عليه : أصابنا الشؤم والنحس بسبب وجودك فينا ، وبسبب المؤمنين الذين استجابوا لدعوتك. حيث أصبنا بالقحط بعد الرخاء والضراء بعد السراء.
ولا شك أن قولهم هذا يدل على جهلهم المطبق ، وعلى سوء تفكيرهم ، لأن السراء والضراء من عند الله ـ تعالى ـ وحده. ولا صلة لهما بوجود صالح والذين آمنوا معه بينهم ولذا رد عليهم صالح ـ عليهالسلام ـ بقوله (طائِرُكُمْ عِنْدَ اللهِ ..).
أى : قال لهم موبخا وزاجرا : ليس الأمر كما زعمتم أن وجودنا بينكم هو السبب فيما أصابكم من شر ، بل الحق أن ما يصيبكم من شر وقحط هو من عند الله ، بسبب أعمالكم السيئة ، وإصراركم على الكفر ، واستحبابكم المعصية على الطاعة. والعقوبة على المغفرة.
ثم زاد صالح ـ عليهالسلام ـ الأمر توضيحا وتبيانا فقال لهم : (بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ).
أى قال لهم : ليس ما أصابكم بسببنا. بل أنتم قوم «تفتنون» أى تختبرون وتمتحنون بما يقع عليكم من شر ، حتى تتوبوا إلى خالقكم ، قبل أن ينزل بكم العذاب الماحق ، إذا ما بقيتم على كفركم.
فأنت ترى أن صالحا ـ عليهالسلام ـ قد رد على جهالتهم بأسلوب قوى رصين ، بين لهم فيه ، أن تشاؤمهم في غير محله ، وأن حظهم ومستقبلهم ومصيرهم بيد الله ـ تعالى ـ وحده ، وأن ما أصابهم من بلاء وقحط ، إنما هو لون من امتحان الله ـ تعالى ـ لهم ، لكي يتنبهوا ويستجيبوا لدعوة الحق ، قبل أن يفاجئهم الله ـ تعالى ـ بالعذاب الذي يهلكهم.
ولكن هذا النصح الحكيم الذي وجهه صالح إلى المكذبين من قومه ، لم يجد أذنا صاغية منهم ، بل قابله زعماؤهم بالتكبر وبالإصرار على التخلص من صالح ـ عليهالسلام ـ ومن أهله ، وقد حكى القرآن ذلك في قوله ـ تعالى ـ : (وَكانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ ، يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ. قالُوا : تَقاسَمُوا بِاللهِ ، لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ. ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ ما شَهِدْنا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصادِقُونَ).
__________________
(١) تفسير الآلوسى ج ٤٩ ، ص ٢١١.