والمراد بالمدينة : مدينة قوم صالح ـ عليهالسلام ـ وهي الحجر ـ بكسر الحاء وإسكان الجيم ـ.
قال الجمل : قوله : «تسعة رهط» أى تسعة أشخاص ، وبهذا الاعتبار وقع تمييزا للتسعة ، لا باعتبار لفظه ، وهم الذين سعوا في عقر الناقة ، وباشره منهم قدار بن سالف ، وكانوا من أبناء أشراف قوم صالح ، والإضافة بيانية. أى : تسعة رهط. وفي المصباح : الرهط دون العشرة من الرجال ، ليس فيهم امرأة (١).
ووصفهم بأنهم يفسدون في الأرض ولا يصلحون. للإشارة إلى أن نفوسهم قد تمحضت للفساد وللإفساد ، ولا مكان فيها للصلاح وللإصلاح.
وقوله : (تَقاسَمُوا) فعل أمر محكي بالقول ، بمعنى : احلفوا بالله ، ويجوز أن يكون فعلا ماضيا مفسرا لقالوا ، فكأنه قيل : ما الذي قالوه؟ فكان الجواب : تقاسموا أى : أقسموا.
وقوله : (لَنُبَيِّتَنَّهُ) من البيات وهو مباغتة العدو ليلا لقتله. يقال بيت القوم العدو ، إذا أوقعوا به ليلا.
والمراد بوليه : المطالبون بدمه من أقاربه ، وفي ذلك إشارة إلى أن هؤلاء الظالمين لم يكونوا ليستطيعوا قتل صالح ـ عليهالسلام ـ علانية ، خوفا من مناصرة أقاربه له.
و (مَهْلِكَ) بفتح الميم وكسر اللام بزنة مرجع ـ مصدر ميمى ، من هلك الثلاثي ، وقرأ بعضهم (مَهْلِكَ) بضم الميم وفتح اللام ـ من أهلك الرباعي ، فهو أيضا مصدر ميمى من أهلك ، ويجوز أن يكونا اسم زمان أو مكان.
والمعنى : وكان في المدينة التي يسكنها صالح ـ عليهالسلام ـ وقومه ، تسعة أشخاص ، دأبهم وديدنهم ، الإفساد في الأرض ، وعدم الإصلاح فيها ، بأى حال من الأحوال.
وقد تعاهد هؤلاء التسعة. وأكدوا ما تعاهدوا عليه بالأيمان المغلظة. على أن يباغتوا نبيهم وأهله ليلا ، فيقتلوهم جميعا ، ثم ليقولن بعد جريمتهم الشنعاء لأقارب صالح ـ عليهالسلام ـ : ما حضرنا هلاك أهله وهلاك صالح معهم ، ولا علم عندنا بما حل بهم وبه من قتل ، وإنا لصادقون في كل ما قلناه.
وهكذا المفسدون في الأرض ، يرتكبون أبشع الجرائم وأشنعها ، ثم يبررونها بالحيل الساذجة الذميمة ثم بعد ذلك يحلفون بأغلظ الأيمان أنهم يريئون من تلك الجرائم.
__________________
(١) حاشية الجمل على الجلالين ج ٣ ص ٣١٩.