ومن العجيب أن هؤلاء المجرمين الغادرين يقولون فيما بينهم : (تَقاسَمُوا بِاللهِ) أى : احلفوا بالله ، على أن تنفذوا ما اتفقنا عليه من قتل صالح وأهله ليلا غيلة وغدرا. فهم يؤكدون إصرارهم على الإجرام بالحلف بالله ، مع أن الله ـ تعالى ـ برىء منهم ومن غدرهم.
وقولهم : (ما شَهِدْنا مَهْلِكَ أَهْلِهِ) نفى منهم لحضور قتلهم ، فضلا عن مباشرة قتلهم ، كأنهم أرادوا بهذه الجملة الإتيان بحيلة يبررون بها كذبهم ، أى : أننا قتلناهم في الظلام ، فلم نشاهد أشخاصهم ، وإنا لصادقون في ذلك.
ولكن هذا المكر السيئ ، والتحايل القبيح قد أبطله الله ـ تعالى ـ وجعله يحيق بهم وبأشياعهم ، فقد قال ـ تعالى ـ (وَمَكَرُوا مَكْراً) أى بهذا الحلف فيما بينهم على قتل صالح وأهله غدرا (وَمَكَرْنا مَكْراً) أى : ودبرنا لصالح ـ عليهالسلام ـ ولمن آمن به ، تدبيرا محمودا محكما (وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) أى : وهم لا يشعرون بتدبيرنا الحكيم ، حيث أنجينا صالحا ومن معه من المؤمنين ، وأهلكنا أعداءه أجمعين.
ثم بين ـ سبحانه ـ الآثار التي ترتبت على مكرهم السيئ ، وعلى تدبيره المحكم فقال ـ تعالى ـ :
(فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ مَكْرِهِمْ ، أَنَّا دَمَّرْناهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ) أى : فانظر ـ أيها العاقل ـ وتأمل واعتبر فيما آل إليه أمر هؤلاء المفسدين ، لقد دمرناهم وأبدناهم ، وأبدنا معهم جميع الذين كفروا بنبينا صالح ـ عليهالسلام ـ.
قال بعض العلماء ما ملخصه : قوله ـ تعالى ـ : (أَنَّا دَمَّرْناهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ) قرأه الجمهور بكسر همزة (أَنَّا) على الاستئناف ، وقرأه عاصم وحمزة والكسائي : (أَنَّا دَمَّرْناهُمْ) بفتح الهمزة وفي إعراب المصدر المنسبك من أن وصلتها أوجه منها : أنه بدل من (عاقِبَةُ مَكْرِهِمْ) ومنها : أنه خبر مبتدأ محذوف ، وتقديره : هي أى : عاقبة مكرهم تدميرنا إياهم .. (١).
وقوله ـ سبحانه ـ : (فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خاوِيَةً بِما ظَلَمُوا.). مقرر ومؤكد لما قبله من تدمير المفسدين وإهلاكهم.
أى : إن كنت ـ أيها المخاطب ـ تريد دليلا على تدميرهم جميعا ، فتلك هي بيوتهم خاوية وساقطة ومتهدمة على عروشها ، بسبب ظلمهم وكفرهم ومكرهم.
(إِنَّ فِي ذلِكَ) الذي فعلناه بهم من تدمير وإهلاك (لَآيَةً) بينة ، وعبرة واضحة ،
__________________
(١) أضواء البيان ج ٦ ص ٤١٢ للشيخ محمد أمين الشنقيطى.