لكفرهم بها ، فأجرى ذلك مجرى تتابعها في الانقطاع.
ومنهم من يرى أن التدارك هنا التكامل ، فيكون المعنى : بل تكامل علمهم بشئون الآخرة ، حين يعاينون ما أعد لهم فيها من عذاب ، بعد أن كانوا ينكرون البعث والحساب في الدنيا ..
قال الآلوسى ما ملخصه : قوله : (بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ) إضراب عما تقدم على وجه يفيد تأكيده وتقريره .. والمعنى : بل تتابع علمهم في شأن الآخرة ، التي ما ذكر من البعث حال من أحوالها ، حتى انقطع وفنى ، ولم يبق لهم علم بشيء مما سيكون فيها قطعا ، مع توفر أسبابه ، فهو ترق من وصفهم بجهل فاحش إلى وصفهم بجهل أفحش .. وجوز أن يكون «ادارك» بمعنى استحكم وتكامل .. (١).
ويبدو لنا أن الآية الكريمة تتسع للقولين ، على معنى أن المشركين اضمحل علمهم بالآخرة لكفرهم بها في الدنيا ، فإذا ما بعثوا يوم القيامة وشاهدوا العذاب ، أيقنوا بحقيقتها ، وتكامل علمهم واستحكم بأن ما كانوا ينكرونه في الدنيا. قد صار حقيقة لا شك فيها ، ولا مفر لهم من عذابها ..
ومن الآيات التي توضح هذا المعنى قوله ـ تعالى ـ : (لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ) (٢) أى : علمك بما كنت تنكره في الدنيا قد صار في نهاية القوة والوضوح.
وقرأ ابن كثير وأبو عمرو : بل أدرك علمهم في الآخرة ـ بسكون اللام من بل. وهمزة قطع مفتوحة مع سكون الدال في «أدرك» فهو بزنة أفعل.
أى : بل كمل علمهم في الآخرة ، وذلك بعد أن شاهدوا أهوالها ، ورأوها بأعينهم ، وقد كانوا مكذبين بها في الدنيا.
وقوله ـ سبحانه ـ : (بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْها. بَلْ هُمْ مِنْها عَمُونَ) بيان لأحوالهم في الدنيا.
أى : أن هؤلاء المشركين كانوا في الدنيا يشكون في الآخرة ، بل كانوا في عمى عنها ، بحيث لا يفتحون بصائرهم أو أبصارهم ، عما قال لهم الرسول صلىاللهعليهوسلم بشأنها.
فأنت ترى أن الآية الكريمة قد انتقلت في تصوير كفر هؤلاء المشركين بالآخرة ، من حالة شنيعة إلى حالة أخرى أشد منها في الشناعة والجحود.
__________________
(١) تفسير الآلوسى ج ٢٠ ص ١٣.
(٢) سورة ق الآية ٢٢.